الفيلم المسىء للرسول (صلى الله عليه وسلم) فيه من الابتذال والإسفاف وعدم الموضوعية ومخالفة كل قواعد النقل والتاريخ الصحيحة والتهجم وسوء الأدب والخلق ما فيه.. والجميع يعلم ذلك وقد تبرأت منه جميع الكنائس المصرية وتبرأ منه كل إنسان عاقل حتى لو لم يكن مسلماً.. وإذا كان هؤلاء الذين صنعوا الفيلم وروجوه قد أساءوا إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) فعلينا أن نحسن إليه وأن نتبع سيرته ونهجه.. فقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن قتل «الرسل» أى السفراء والقناصل وأسرهم وعائلاتهم حتى فى وقت الحرب.. بل إنه قال لرسولى ملك اليمن اللذين أساءا الأدب معه (صلى الله عليه وسلم): (لولا أن الرسل «أى السفراء» لا تقتل لقتلتكما).. ترسيخاً لهذا المبدأ العظيم الذى سبق به الرسول الكريم والإسلام العظيم القانون الدولى الحديث الذى يسبغ الحماية القانونية على السفراء والقناصل وأعضاء البعثات الدبلوماسية والسفارات.
إننا نقع فى خطأ شرعى وخطر استراتيجى على مصر حينما نعتدى على السفارات الأجنبية رداً على أى حادث.. تاركين الردود التى تتفق مع شريعتنا وتنفع بلادنا.
فهل يكون المغاربة أرقى منا وهم الذين تظاهروا بطريقة سلمية أمام السفارة الأمريكية ثم أقاموا الصلاة وصلوا فى مظهر حضارى جيد يتوافق مع الشريعة ويحافظ على مصالح بلادهم الاستراتيجية ولا يوقع حكامهم فى مشاكل سياسية واستراتيجية.. ولا يحدث تصادم بين أبناء الوطن الواحد من المتظاهرين والشرطة.
إن واجبنا يحتم علينا الحذر من اندفاع بعض المصريين ليسيئوا أو يعتدوا على أقباط مصر.. فهم لا دخل لهم بالفيلم ولا علاقة لهم به من قريب أو بعيد.. وقد شجبت الكنائس الثلاث الفيلم واستنكرت ما فيه.. كما أن صانعى الفيلم لا يمثلون أقباط المهجر أيضاً.. وعلينا ألا يسوقنا صناع الفيلم ومعظمهم إسرائيليون إلى أن نخرب بلادنا أو أن نسىء إلى مواطنينا من الأقباط.
إن الإسلام العظيم أقر شخصية العقوبة قبل القانون الوضعى بـ14 قرناً.. حيث قال تعالى: «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى»
إننا نريد أن ننصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) دون أن نتعدى ما أوصانا به من أخلاق.. ودون أن نظلم أحداً.. أو نعتدى على من لا يجوز الاعتداء عليه.. ودون أن نحرق البقية الباقية من وطننا.. ودون أن نشتبك مع الشرطة.. ودون أن نرفع أعلام القاعدة.. فلا علاقة للنبى (صلى الله عليه وسلم) بالقاعدة وتفجيراتها التى كانت تستهدف عادة المدنيين وقتل فيها آلاف المسلمين من المدنيين.. فضلا ً عن غيرهم من الأديان الأخرى فى الوقت الذى ينادينا الرسول دوماً من خلال غزواته وسراياه: «لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا وليداً ولا فانياً ولا راهباً فى صومعة».
إن الربط الذهنى بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) والقاعدة يضر بالرسول (صلى الله عليه وسلم) ورسالته الرحيمة «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ».. وليس مفجراً للعالمين.
لقد آن الأوان أن نواجه سلاح الدراما بنفس السلاح.. وأن نكرر تجربة الفيلم العظيم «الرسالة» ونرصد الإمكانيات الهائلة لإنتاج أفلام قوية بعشرات اللغات للدفاع عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعن الإسلام.. وأن نواجه مثل هذه الأفلام بطرق جديدة مبتكرة مثل عمل ندوات ومحاضرات عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى نيويورك وغيرها فى عقر دارهم.
وأن نؤسس شبكة دفاعية قوية عن الإسلام والرسول فى الغرب، تتناول كل الجوانب الدعوية والتربوية مع ملاحقة المسيئين قانونياً.
إننا نحتاج إلى فكر جديد للمواجهة يختلف عن الأفكار القديمة التى تقتصر على المظاهرات والخطب والدروس فحسب.
إن أهم نصرة للرسول (صلى الله عليه وسلم) هى الاقتداء بهديه فى كل صغيرة وكبيرة وإعطاء نموذج الإسلام الوسطى الرائع للآخرين.. وعلينا أن نوقن أن الله سيحمى رسوله حياً وميتاً وسيطهره من رجس المسيئين حياً وميتاً لقوله تعالى: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ».