الطفل المصري الفائز بشخصية العام بالنمسا: رجال الشرطة بيعملوا لي تحية
"ميسرة: مبادرتي مستمرة حتى انتهاء فيروس كورونا والتكريم لم أكن أتوقعه
ميسرة خلال تسلم الجائزة
يجلس بين أسرته يتلمس الدفء والحنان، يتابع أحوال فيروس كورونا الذي أضحى شبحًا يهدد العالم، يرن هاتفه بنغمته الرتيبة، ليتلقى مكالمة هاتفية تجبره على ترك موضعه والتحرك فورًا، يسير في الطرقات الخالية بخطوات متسارعة، قبل أن يقف عند إحدى الشرفات ويتلقى أموالا من أحد المسنين ليقضي حاجته من السوق، قبل أن ينتقل لشرفة أخرى ومسن آخر يأخذ منه النقود ثم يعود سريعا بالبضاعة المطلوبة، للوهلة الأولى تشعر وكأنه عامل "ديليفري"، أو صبي فقير يكسب قوت يومه من توصيل الطلبات، ولكن المفاجأة تكمن في كون هذا الطفل يفعل ذلك تطوعا منه للمسنين من أجل حمايتهم من عدوى الوباء الفتاك.
الطفل المصري ميسرة محمود مقلد، الذي لم يتجاوز الـ15 من عمره، الذي كانت مبادرته سببا في حصوله على جائزة لم يتخيل فرصة الترشح لها، حيث نال جائزة شخصية العام في النمسا، ليعد أول وأصغر مصري يرشح لها وينالها، وذلك نظرًا لمساعداته المجتمعية بدولة النمسا في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19".
الهدوء الذي كسا النمسا عقب ظهور فيروس كورونا، منذ أن ظهرت بها أول إصابة بفيروس كورونا في الخامس والعشرين من فبراير الماضي، دفع "ميسرة" لتدشين مبادرة لمساعدة كبار السن في ظل تلك الظروف، وخاصة بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن كبار السن هم الأكثر عُرضة للإصابة، قبل أن تبدأ الحكومة في اتخاذ خطوات صارمة لوقف تفشي "كوفيد 19"، من بينها حظر التجمعات وغلق الأماكن العامة وتعليق الدراسة.
الخدمة المجانية التي قدمها "ميسرة"، رفقة أصدقائه، تتمثل في قضاء احتياجاتهم حتي لا يضطروا للخروج من منازلهم ويكونوا عرضة للإصابة، "كتبت على حسابي على إنستجرام وتركت أنا واصدقائي أرقام هواتفنا"، ليتلقى على الفور طلبات من مُسنين لتلبية احتياجاتهم الضرورية، في حين يحاول البعض ممن يطلبون المساعدة دفع مقابل الخدمة إلا أنه يرفض أي مقابل مادي، فتحركه جاء بدافع إنساني.
ذاع صيت الطفل المصري ومبادرته في كل أنحاء النمسا، وتناولته عدة صحف نمساوية والقنوات والإذاعات الرسمية، فالجميع يتحدث عن شجاعة "ميسرة" وزملائه، وعن التكاتف المجتمعي الذي قد يسهم في التخفيف من أعباء الأزمة، "مديرة مدرستي أرسلت لي إيميل شكر للدور اللي قمت به في المبادرة".
مع زيادة أعداد الإصابات في النمسا إلى أكثر من 25 ألفا، صارت مبادرت الطفل المصري ضرورة وحيوية خاصة للمئات من كبار السن، فيما يدرك "ميسرة" أهمية الإجراءات الوقائية التي تتمثل في الالتزام بارتداء الكمامة والقفازات بالإضافة للحفاظ على المسافات الآمنة والتعقيم المستمر للأدوات واليدين.
قبل ما يقرب من أسبوعين، تواصل أحد منظمي الجائزة مع الطفل المصري، كونه ضمن المرشحين لجائزة شخصية العام في النمسا، "ماكنتش متخيل أني هكسب، وقلت هيبقي مجرد ترشح بس مش أكثر"، لكن الفرصة سمحت له أن يكون أول مصري يحصل عليها.
حوار قصير دار بين "ميسرة" ورئيس وزراء النمسا سيباستيان كورتز، على هامش تسلمه الجائزة، حيث سأله عن المحافظة التي ينتمي لها من مصر، "قلت له أنا من سوهاج، ورد عليا أنه بيحب مصر وزارها كثيرا"، وأن الشهامة معروفة عن الشعب المصري والتي ظهرت في مواقف عديدة شاهدها.
الجالية المصرية حرصت على التواصل مع "ميسرة"، لتهنئته بالجائزة وتحيته تقديرا لمبادرته الإنسانية، بالإضافة إلى أصدقائه وجيرانه الذين يقدرون ما يقوم به في سبيل حماية كبار السن من الفيروس.
يرغب "ميسرة" في استمرار مبادرته حتى انتهاء فيروس كورونا تماما، ويطمح بزيادة أعداد المشاركين في خدمة كبار السن، ويسعد بتقدير المجتمع للمبادرة "رجال الشرطة لما بيشوفونا بيعملوا تحية لمجهودنا" وهو ما يدفعه إلى مزيد من الجهد في سبيل خدمة الآخرين، "هنفضل فاكرين إننا قدمنا حاجة مفيدة".