رأيت فيما يرى النائم أننى وسط السحاب أسير وأعدو ثم أبطئ الخطوات وأعود من جديد للعدو وهكذا كأننى كنت أبحث عن شىء ما أو ربما شخص أو حلم أو هدية أرسلتها لى الأقدار وكانت داخلى رغبة شديدة أن أسعد كل من أعرفهم من النساء والفتيات، فقد خاطبنى هاتف فى أذنى أن هناك فى نهاية تلك الرحلة سأجد الهدية ولا بد أن تشاركنى فيها الصديقات والأحباء. وظل يتردد فى أذنى سؤال وكأنه لحن عذب أو صوت عندليب يغرد أين هى السعادة وكيف تتحقق الأحلام والأمنيات؟ وفجأة وجدت نفسى أستمع لقصيدة الأطلال فى انسجام وذهول ودهشة وخجل وأحسست بأن وجهى تنبعث منه حرارة دفعت بالعرق لخلايا جسدى ولكنه كان ذا رائحة رائعة تشبه العنبر والتمر حنة، فقد كان صاحب الكلمات الشاعر إبراهيم ناجى ينظر إلىّ ويؤكد أنه كتبها من أجلى وأننى ملهمته وسألنى: (هل رأى الحب سكارى مثلنا كم بنينا من خيال حولنا ومشينا فى طريق مقمر تثب الفرحة فيه قبلنا)، فضحكت وعدوت فكانت المفاجأة الثانية أن أرى أمامى رجلاً يجلس تحت ظل ياسمينة تملأ الجو برائحتها البديعة ونادانى: «يا سيدتى كنت أهم امرأة فى تاريخى، أنت امرأة صُنعت من فاكهة الشعر ومن ذهب الأحلام، أنت امرأة كانت تسكن روحى قبل ملايين الأعوام»، فأدركت أننى أمام نزار قبانى وأن إحدى أمنيات مراهقتى تتحقق فقد أصبحت بطلة لإحدى قصائده. ولأننى خشيت من هجوم الفجر وأن تخترق السماء أشعة الشمس وتحرق الأوراق والأقلام التى يكتبون لى بمدادها، فقد فررت إلى ركن جديد لا يبعد إلا خطوات قليلة لأقابل وجهاً أعرفه وأسمع صوتاً أجش طالما أمتع المستمعين بحكايات أبطال الأساطير وقصص حبهم وشجاعتهم وخوضهم الحروب ينادى على الفارس (على الزيبق) ليرافقنى فى رحلتى خوفاً علىّ من الغزاة واللصوص، فقد كان كاتب الأدب الشعبى (فاروق خورشيد) يحذرنى من الوحدة والعدو خلف الأوهام حتى لا أتحول لضحية قصة حب مثل بطلته (ذات الهمة) ولم ينس أن يهدينى سيفاً مما تركه له أبطاله الشعبيون كذكرى لحديثه عنهم وقبلة فوق جبينى وهبتنى قلباً شجاعاً وإصراراً على إكمال (ما يرى النائم). وفجأة وجدت كرواناً يقول: «أغار من قلبى إذا هام فى لقياكِ وأنت المنى والروح فكيف أنساكِ؟»، ولم يكتف بذلك بل لوح لى بيده وكان الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب صاحب النغمات السماوية، فأى سعادة تلك التى تغمرنى أن أملك قلب أشهر موسيقار عربى وأن يغنى من أجل لقائى وهيامه بى.
وعندما لاح ضوء الفجر وأدركت أنه لا بد أن أعود من حيث أتيت ولكن كيف؟ وقد ابتعدت كثيراً كانت أجمل مفاجأة أن يأتى إلى المكان الذى احترت كيف سأغادره، فارس طالما اقتحم قلوب النساء بكل صفات الفرسان وجواده العربى الأصيل مبهر الجمال بعينيه ولفتاته الساحرة وحركته الرشيقة التى تبدو كما لو كانت إيقاع موسيقى لفتح الستار إيذاناً ببدء عرض فنى فى أشهر دار للأوبرا العالمية. وجدت نفسى أمتطى الجواد خلف أحمد مظهر، بطل أفلام الزمن الجميل لأعود من حيث أتيت تاركة تلك الصور واللقطات والألحان والكلمات والأبطال من خلفى تطاردنى مستنكرة هروبى وعودتى من جديد لحياة أرضية ثلجية قاتمة واقعية بعنف وقسوة. وعندما بدأ ضوء النهار فى الانتشار وقبل أن أفتح عينى سمعت من يغنى لى: «صباح الخير يا هانم صباح العاشق الهايم. إذا نامت عيون الناس أنا يومين ما نايم صباح المغرم الهايم طلبت القهوة بلا سكر أنت الشهد يا هانم». وهنا اكتفيت بما رأيت فيما يرى النائم.
خديجة حمودة