جولات رئيس وزراء العراق، مصطفى الكاظمى، إلى أمريكا منذ شهرين، ومجموعة دول أوروبية خلال الأسابيع الماضية، تضعه فى سباق مع الزمن. الرجل يواجه أزمات سياسية وأمنية فاق حجم تجذرها داخل المشهد العراقى قدرة الحكومة والمؤسسات الأمنية الشرعية على الانفراد بحسمها. بين انتهاك متكرر من طرف إقليمى تركى لسيادة العراق والاعتداء على أراضيه، وآخر من طرف إيرانى يسعى عبر أذرعه من كتل سياسية أو ميليشيات مسلحة إلى إبقاء العراق داخل مستنقع فوضى أمنية تحول دون تقديم أى مساعدات من المجتمع الدولى ضماناً لبقاء سيطرته الأمنية، السياسية، الاقتصادية، والعمل على إضعاف الحكومة المركزية والبرلمان واستمرار بقائهما تحت هيمنة هذه الميليشيات الموالية لإيران التى بدورها لم تخرج عن سياق المراوغة التى تتقِن ممارستها.. أولاً، القبول على مضض باختيار «الكاظمى» رئيساً للوزراء، ثم العمل على إفشال مهمته عبر خلق كل العراقيل التى تضع الرجل فى موقف حرج أمام المجتمع الدولى، خصوصاً بعدما وجّه عدة ضربات لمصالح هذه الميليشيات الاقتصادية بفرض قوانين لضبط المنافذ الحدودية التى كانت تشكل مصدر دخل يدر على هذه الميليشيات ملايين الدولارات عبر عمليات التهريب بين الحدود.
من جهة أخرى، المجتمع الدولى، ممثلاً فى: الأمم المتحدة، دول الاتحاد الأوروبى، قوات التحالف الدولى التى تشكلت فى العراق من مجموعة دول بقيادة أمريكا، ما زال يعيش حالة انفصال تام عن آليات حلول أزمات المشهد العراقى مكتفياً بردود فعل نظرية لا تتجاوز البيانات التقليدية الداعمة لـ«الكاظمى» دون استجابة فعلية لمناشدات الشارع العراقى لها بالتدخل عبر إجراءات ملموسة مثل إرسال الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبى مراقبين للانتخابات النيابية لإنجاح بناء سياسى ما زال تحديد تاريخه فى الموعد المحدد خلال شهر يونيو القادم يتأرجح بين تأكيد مسئولين وتشكيك البعض الآخر فى إمكانية كسر العقبات التى تواجهه خلال الفترة المحددة، تحديداً مع تصاعد معلومات متداولة فى الساحة العراقية تؤكد بوادر تشكيل تحالف أو حزب، بقيادة «الكاظمى» مع برهم صالح، من المنتظر مشاركته فى الانتخابات القادمة، واتساقاً مع نواياه وعزمه تبنى مشروع سياسى وتشكيل حزب ليخوض به الانتخابات المقبلة.
رسائل «الكاظمى» غير المعلنة إلى «ترامب» وقادة الغرب أن الدعم الأمنى الدولى هو شرط أساسى لضمان انتخابات تلبى مطالب الشارع كى لا يخرج الاستحقاق مجرد مسخ من صور مشوهة توالت على العراق منذ 2003، وهو ما يراهن على حدوثه «ملالى إيران» عبر أذرعه النافذة داخل العراق، ما سيعيد تفجير الاحتجاجات الشعبية التى عمّت مدن العراق منذ أكتوبر 2020 والتى شهدت ساحات ومدن العراق منذ أيام مظاهرات حاشدة بمناسبة الذكرى السنوية على انطلاقها، الرسائل تتوافق مع إعلان الأمين العام لقوات حلف شمال الأطلسى «الناتو»، منذ أيام، استعداد القوات لتعزيز وتوسيع المهمات الأمنية وأنشطة التدريب بعد تقليص دور قوات التحالف الدولى نتيجة الهجمات المتكررة على القواعد والمصالح الأمريكية والغربية بعد مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليمانى، فى ضربة شنتها طائرة مسيرة أمريكية.
سياسياً، يشهد المناخ الانتخابى القادم عدة تحديات؛ أبرزها عملية استهداف ممنهج للنشطاء إما عبر التصفية الجسدية أو الاختطاف كى لا يتم استثمارهم كمشاريع سياسية قادرة على تشكيل كتل مستقلة تحظى بتأييد الشارع فى الانتخابات القادمة.
منذ 2003، سادت المشهد السياسى أجواء «إرهاب انتخابى» قادته نخب فاسدة تحركها داخل البرلمان ولاءات إقليمية، نجحت فى الحصول على نسب تتيح لها التحكم فى القرارات التى يتم إدراجها للتصويت.. بل امتد الاختراق ليشمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وممارسة الضغوط والتهديدات على أعضائها، ما يؤكد ضرورة إجراء مراجعة دولية لهذه الهيئة ضماناً لشفافية ونزاهة عملها، بالإضافة إلى قطع الطريق على هذه النخب المرفوضة شعبياً وتكرار سيطرتها على البطاقات الانتخابية عبر التلويح بقوة ميليشياتها المسلحة.
أمنياً.. أكدت التحقيقات مسئولية الميليشيات الإيرانية «حزب الله، الخراسانى، كتائب الإمام على، عصائب أهل الحق، النجباء»، عن سلسلة القصف الصاروخى المنتظم على مطار بغداد ومناطق وجود القوات الأجنبية، بهدف خلق مناخ أمنى مضطرب يطيح باستقلالية الانتخابات ضماناً لبقاء القرار العراقى تحت سيطرة هذه الأطراف الإقليمية.