الإنتخابات البرلمانية تقترب، المشهد السياسى سوف يزداد سخونة فى الأسابيع المقبلة. ربما بعد أربعة أشهر فقط ويكون لدينا برلمان جديد. الأحزاب قديمها وجديدها فى ورطة حقيقية، لا شعبية لها ولا تأثير. وفى أفضل الأحوال حضور حزبى هامشى فى مناطق محددة أو بين فئات بعينها. قانون الانتخابات البرلمانية الذى منح القوائم الحزبية نسبة 20% فقط والباقى للفردى، لا يرضى الأحزاب التى تطالب بنسبة أكبر. تخوفات كثيرة تطلقها بعض القوى التى تحسب نفسها على الثورة المغدورة، بعض تلك التخوفات مفتعل والآخر القليل حقيقى وموضوعى بشأن احتمال تسرب أعضاء سابقين من الوطنى وعناصر من الإخوان الإرهابية للبرلمان المقبل، لا أحد يقول أو يستطيع أن يحدد كم من هؤلاء يمكنه بالفعل أن يُحدث انقلاباً عبر البرلمان، فهل يتصور أحد أن يدخل البرلمان 80% من الوطنى والإخوان، وإن حدث ذلك على رغم استحالته، فمن يتحمل المسئولية، هل الذين يتحدثون ويكتفون بالكلام والمقاطعة وانعدام المشاركة والبكاء على الثورة، أم الذين يحافظون على شعبيتهم بين الناس؟ أعتقد أن جزءاً كبيراً من هذه التخوفات تقال من قبيل التهويل والضغط من أجل تغيير القانون، واللعبة مفهومة ومعروفة.
الرئيس الجديد وبحكم الدستور لا يستطيع أن يدير البلاد ويحقق أفكاره ورؤاه إلا عبر تعاون كامل مع رئيس الوزراء ومع البرلمان. الورطة الكبرى أن يأتى برلمان لا يعرف كيف يمارس دوره، برلمان مشرذم بين ثلاثين حزباً أو أكثر، وبين أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم أو بالكثير عصبياتهم وعشائرهم ومناطقهم التى انتخبتهم. أما الورطة الأكبر فهى أن يجد الرئيس نفسه وحيداً فى قمة السلطة بلا ظهير سياسى يربط بينه وبين الناس فى المدن والقرى والنجوع، حينها تصبح الفجوة بين المؤسسات وعموم المصريين غير قابلة للعلاج، وإنما قابلة للانفجار.
ومهما كانت قدرات الرئيس فى العمل والاجتهاد وضرب الفساد والدخول فى معترك الاقتصاد وتحقيق بعض الإنجازات واختيار أفضل المعاونين والمستشارين، فهو بحاجة إلى حزب ليس بالضرورة أن ينشئه بنفسه كما فعل الرئيس السادات مثلاً مع الحزب الوطنى، لكن حزب يجمع الناس على رؤية وفكر الرئيس، حزب يقوم على شخصيات غير مشكوك فى وطنيتها ونزاهتها وكفاءتها، حزب يستطيع أن يستقطب تأييد الناس فى الانتخابات المقبلة ويحقق نسبة معقولة تجعله قائداً للبرلمان وليس مهيمناً عليه أو مصادراً لقوانينه وتشريعاته، حزب يستطيع أن يدخل فى تحالفات مرنة مع آخرين لصالح الوطن قبل أن يكون لصالح الرئيس.
نلمح فى الأفق السياسى جهوداً تُبذل من أجل تشكيل ائتلاف حزبى تحت مظلة الدفاع عن مدنية الدولة وليبراليتها كالتى يقودها عمرو موسى وأحمد جمال الدين ومراد موافى، كما نلمح أيضاً بداية لجهود المرشح الرئاسى حمدين صباحى من أجل تشكيل تكتل آخر تحت مظلة الثورة وشعاراتها وتعزيز دور الشباب. إن وفق التكتلان فى الوجود فلا يمكن اعتبارهما نهاية المطاف أو أن أحدهما هو مشروع حزب للسلطة والآخر هو مشروع تكتل للمعارضة، سيكون من المبكر جداً الوصول إلى مثل هذا الحكم خاصة أن هناك تكتلات أخرى قابلة أيضاً للوجود قد تجمع الأحزاب المهمشة أو القائمة على عصبيات عائلية فى الريف وخاصة فى الصعيد.
المهم هو مبدأ التكتلات الحزبية التى تقبل لاحقاً أن تكون حزباً قوياً له وجود فى الشارع وله صوت مسموع فى البرلمان، ويلجأ إليه الناس للاحتماء به من أجل تمرير قانون أو ممارسة رقابة برلمانية حقيقية على السلطة بكل مستوياتها وكل أبعادها. والمهم أيضاً أن يعى القائمون على هذه التكتلات أنهم لا يقدمون خدمة للرئيس بل يقدمون خدمة للوطن الأبقى من كل شىء والأعلى على كل شىء. التحالفات الحزبية هى أساس النظم السياسية الديمقراطية، تلك حقيقة لا يفهمها الكثير من الناس بمن فيهم ناشطون سياسيون فى الواقع أحياناً وفى الفضاء الإلكترونى غالباً، ولذا ليس لديهم سوى السخرية والعويل والاتهامات والمبالغات. قليل جداً من النشطاء يدركون هذه الأمور ولكنهم لا يجيدون الدفاع عنها أمام سيل من السخرية والتهكم والتشكيك اللامحدود، وفى المحصلة يقع المجتمع فى حالة جدل عقيم.
البرلمان المقبل هو أخطر برلمان فى تاريخ مصر المعاصر، حقيقة قالها كثيرون ونعيد التأكيد عليها. مكمن الخطورة أنه برلمان تأسيس جمهورية الإرادة الشعبية، بدون برلمان فاعل ويُغلب أعضاؤه المصلحة العليا للوطن سيخسر الجميع. وجود الأحزاب فيه ضرورة قصوى ولكن ليس أى حزب. سيكون من الضرورة أيضاً أن تسود الشخصيات البرلمانية المثقفة والواعية بهموم الوطن والقادرة على العطاء، وسيكون من الفشل أن نرى برلماناً داخله 20 أو 30 حزباً شكلياً بلا معنى ولا رصيد شعبى، وسيكون من المُحبط أن يتعثر البرلمان فى اختيار الحكومة ومنح الثقة لرئيس الوزراء، وسيكون مخيباً للثورة والشهداء وعموم المصريين أن يسقط أول برلمان يختاره الناس بحرية.
على الأحزاب والشخصيات المتقاربة فكرياً وسياسياً أن تتنازل عن طموحاتها الشخصية الضيقة ومناصبها الحزبية فى أحزابها الصغيرة والضعيفة من أجل الوطن، وأن تدخل فى تكتلات تتحول لاحقاً إلى حزب كبير. من يهمه الفكرة والنجاح والإنجاز لن يهتم كثيراً بموقعه القيادى فى هذا التكتل، بل يهتم بقدرته على العطاء من أجل بلده وشعبه ومجتمعه.
نحن جميعاً أمام تحدٍ مصيرى، وكما ضحى كثيرون من قبل حتى نصل إلى هذه اللحظة التاريخية التى أنقذ الشعب فيها نفسه ووطنه من قبضة جماعة إرهابية ومن مصير مظلم ونهاية مأساوية، فلا ضير أن يضحى البعض منا بمناصب حزبية وهمية لا تقدم ولا تؤخر. ولا ضير أيضاً أن يكون لدينا ثلاثة أو أربعة تكتلات حزبية قوية لكل منها منحى فكرى وسياسى يميزها عن باقى التكتلات الأخرى، ولكل منها قاعدة شعبية تمتد من الشمال إلى الجنوب. نريد أحزاباً حقيقية تضع البلاد على أول طريق الديمقراطية بما فيها من منافسة شريفة تحت مظلة القانون، وتسامح إنسانى يعكس إيماناً فطرياً بالتعددية والاختلاف، وتعايش بين الأضداد بحيث يثرى الفكر والواقع فى آن واحد. فى المحصلة نريد منافسة من أجل الوطن لا صراعاً على الوطن.