الحركات الاحتجاجية هى أكبر المشكلات التى تواجه الرئيس وجماعته، وهم يحاولون إنجاز تقدم ملحوظ على مستوى الإصلاح الاقتصادى، فى الوقت الذى تتصاعد فيه موجة الإضرابات بشدة، ومن الخطأ القول بأن الاحتجاجات المختلفة مقصود بها إحراج الرئيس، لأن إضرابات الحركات الاجتماعية تصدرت واجهة المشهد السياسى حتى وصلت إلى نحو سبعمائة إضراب منذ عام 2008 كان أبرزها التمرد الشعبى فى المحلة الكبرى.
أغرب وأبرز ما فى المشهد السياسى أن جماعة الإخوان رفعت الشعارات الدينية، وهى الدعوات التى يستطيع صاحبها اكتساح المشهد شعبياً، فى مجتمع متدين ويعانى الأمية، فاستجاب المجتمع وصوّت الناس لصالحهم انطلاقاً من حسن الظن، وليس اعتماداً على حسن الأداء، واستناداً إلى الأقوال المزيّنة بالآيات والأحاديث، وليس الإنجازات والأفعال، ثم لما وصلوا للحكم لم تطالبهم الجماهير بتطبيق الشريعة، بل طالبتهم بتحسين الأحوال الاقتصادية مما أوقعهم فى مأزق شديد لا يُحسدون عليه.
الاحتجاجات الفئوية لم تكن وحدها الصداع الأكبر فى رأس الجماعة، لكن هناك احتجاجات عارضة كالتى وقعت أمام السفارة رداً على الإساءة للرسول الكريم، ففشل الإخوان فى التعامل مع الحدث، ذلك أن دار الإفتاء المصرية أصدرت بياناً تحذر من الفيلم فى بدايات شهر سبتمبر، فى الوقت الذى أعلنت الجماعة موقفها (المرتبك) فى منتصف الشهر، أى بعد أكثر من عشرة أيام من الحدث، وكذا الهيئة الشرعية للإصلاح، لكن المُشْكِل فى الأمر أن يتظاهر الإخوان أصلاً، لأن مكانهم، كما يقول فرج إسماعيل، القصر؛ حيث تُصنع القرارات، وليس الشارع حيث يختلط الحابل بالنابل، لقد كان حالهم وهم يدعون للمظاهرات التى تحولت إلى عنف، وكبدت البورصة خسائر كبيرة، وأهدرت عودة السياحة التى لاحت فى الأفق القريب، يذكرنا بالقذافى عندما كان يحمله المتظاهرون على الأعناق ليهتف ضد قرارات حكومته.. لقد كان فى آن واحد هو الحكومة والرئيس والمتظاهر!
ثمة أسباب كثيرة يمكن من خلالها فهم الموقف الملتبس والمرتبك للإخوان، منها أن الجماعة من عادتها عدم الدخول فى شىء إلا بعد معرفة المكاسب والخسائر وبيان نصيبهم وأثر ذلك عليهم فى الانتخابات القادمة، فعندما يقول قيادى إخوانى: لم يستشرنا أحد حتى نأخذ موقفاً محدداً، فإن نفس الجملة قالها الإخوانى محمود عزت فى إضراب 6 أبريل سنة 2008، فى الوقت الذى نرى فيه الشباب الغاضب ليس له أى حسابات، سوى المخربين منهم، إنه رد الفعل الطبيعى حباً للرسول الكريم، بخلاف وقفات الإخوان التى كانت تحمل رسالة موجهة فى المقام الأول للرد على اتهام (الداخل) الليبرالى بتأخر الجماعة فى الخروج للتظاهرات أكثر منها رداً على (الخارج)، وهو ما أثار انتقاد الصحافة الغربية قبل المصرية للإخوان، وقل مثل هذا فى اليساريين أيضاً.
ارتباك الإخوان فى التعامل مع احتجاجات السفارة من آياته أيضاً قول البلتاجى: إن أحداث السفارة يقف خلفها نخنوخ والغاضبون على حبس أحمد نظيف، ومرشد الجماعة يعزى الأحداث إلى الصهاينة، والشاطر أصدر البيانات المطمئنة لأمريكا، هكذا تقمص البلتاجى والمرشد دور رئيس المخابرات، فكشفا عن المخططين!! وتقمص الشاطر دور وزارة الخارجية فتعهد للأمريكيين، كل ذلك لأن الجماعة لم تُختبر من قبل فى التعامل مع المظاهرات ولا إدارة الدولة، ولذا إنصافاً لهم نلتمس لهم العذر.
لكن الصداع الحقيقى والتحدى الأكبر للجماعة هو إضرابات الموظفين، فعشية بدء العام الدراسى يتأهب المدرسون وسائقو النقل والأطباء لإضرابات جديدة، يكتفى فيها الإخوان باستحضار قول الله (واصبروا إن الله مع الصابرين)، دون وضع خطط زمنية محددة لتحسين أوضاعهم، فهل يقنع المضربون بالآية القرآنية وحدها؟