مرة ثانية الكلام عن لغة الشباب.. ومفرداتهم.. وطريقتهم المتداولة فى الكلام وفى التعبير. مصطلحات الشباب ألغاز.. ومفرداتهم مشكلة فى حاجة إلى تحليل دقيق.
يفكر الإنسان بلغته، ومفرداته فى الكلام إشارة إلى شخصيته، وانطباعاته عن الواقع المحيط.. وسلوكياته المتوقعة. نبرات الصوت، وإيماءات الرؤوس، إشارة لطريقة التفكير.. والنظرة للعالم والمحيط.
لغة الشباب حديثاً دلالة كبرى على جيل يفكر بطريقته.. ويتعاطى التعامل مع المجتمع المحيط كما يتكلم.. يعنى بسرعة.. وأحياناً بلا اهتمام.. وربما لا مبالاة أيضاً!
كلما تساهلت اللغة فى الوصف، تساهلت السلوكيات فى التعامل مع القواعد الاجتماعية العامة.. ومع القيم.. ومع الضوابط فى مجتمع ما.
يتكلم المراهقون «اليومين دول» بسرعة، وهم اخترعوا ألفاظاً جديدة.. ومصطلحات هى الأخرى جديدة لا يعرفها إلا هم.. ولا يفهمها إلا هم، وبلغة خلطت بين المصرية العامية، وبين إنجليزية معرَّبة، وفرنسية ممصَّرة.
انفراد الشباب بصيغ كلامية خاصة وغريبة مؤشر على دخولنا موسم حصاد اضطراب اجتماعى طوال أكثر من 40 عاماً مضت.
تضطرب لغة المجتمعات فى الأزمات وفى عصور التقلبات الشديدة. فى الولايات المتحدة انقلبت لغة الشباب رأساً على عقب بعد حرب فيتنام. فى نهايات السبعينات ظهرت نتائج تلك الأزمة فى الشارع الأمريكى، وترافقت انقلابات لغة المراهقين هناك مع تراجع شديد فى نظرة الأجيال الشابة الإيجابية للدين.. وتراجعت مفاهيمهم إلى سلبية شديدة فى مواجهة ما يسمى سلطة المجتمع.
ناقش الكونجرس الأمريكى بعد هزيمة فيتنام ما عُرف وقتها بتقرير ماساشوستس، وقال الباحثون فى التقرير إنه لأن تفكير الشباب تغير، فقد تغيرت لغته، ومفرداته، وكان متوقعاً أن تتغير سلوكياته أيضاً.
بعد التقرير بفترة، فوجئ خبراء الاجتماع الأمريكيون بحوادث هجوم متفرقة من الشباب الأمريكى وبعض شباب المهاجرين على رجال الدين فى الكنائس، وعلى الرهبان فى الشوارع.. وكانت أزمة.
لما دخل الألمان فرنسا فى الحرب العالمية الثانية، انفجرت فى وجه المجتمع الفرنسى فجأة لغة جديدة، بمفردات أيضاً جديدة بين الأجيال الشابة.. استمرت تلك اللغة وتلك المفردات، مع ما تزامن معها من اضطرابات اجتماعية لم يتخلص منها الفرنسيون إلا مع بدايات حكم جيسكار دسيتان!
صياغات الكلام ليست حرية كما يقول بعضهم، مثلما قلة الأدب على مواقع التواصل ليست رأياً كما يرى آخرون، فللغة دلالات اجتماعية، وطريقة اختيار الألفاظ وتركيباتها ترمومتر واضح على أسلوب حياة.
لذلك ترى نظريات الاجتماع أن كلمات الأغانى والأشعار الشعبية المتداولة من أهم مقاييس الاستقرار الفكرى فى التجمعات البشرية.. لكن وفقاً لذلك المقياس، ففى أغانى الشباب المصرى «بلاوى ومآسى».. وخطايا أيضاً.
كلمات أغانى الشباب إشارة مهمة إلى تغيرات كبرى فى مفاهيم الحب والصداقة والعواطف.. وعلى تغيرات أيضاً فى مفاهيم العمل ومعانى الانتماء فى مشكلة أكبر من حمو بيكا.. وعمر كمال!.
بالمناسبة، ممكن اعتبار بيكا وشطة وعمر ضحايا ثقة فئات شابة وسّعت لهم مكاناً ومكانة.. فجرّأتهم على ألفاظ لو كانت فى زمن مضى لاستوجبت إسكاتهم بحكم قضائى!
لكن تقول لمين؟!