منذ نحو سبعين عاماً، اكتشف الكاتب الصحفى الجميل والناقد الكبير وعالم الآثار البارع «كمال الملاخ» مراكب الشمس الفرعونية الشهيرة، التى أوكل لها أجدادنا مهمة الذهاب فى رحلة لاستعادة حياة المتوفى مرة أخرى بحسب الاعتقاد الفرعونى، وكانت «مراكب الشمس»، كعادة الفراعنة، صرحاً فنياً عظيماً.. وبعد عقدين من الزمان، عاد «كمال الملاخ» مرة أخرى ليكتشف لنا مركباً شمسياً جديداً، والمهمة هذه المرة هى إنارة الحياة الثقافية المصرية، هذا المركب هو «مهرجان القاهرة السينمائى الدولى» الذى أسسه «الملاخ» عبر «الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما» أوائل السبعينات.
وإذا كانت «مراكب الشمس» الفرعونية تمتد لحوالى أربعين متراً، فإن «مهرجان القاهرة» يمتد لأكثر من أربعين عاماً.. كان «كمال الملاخ» قادراً على فعل أى شىء، ولذلك فقد أدار المهرجان سبع سنوات متواصلة، فكانت بحق «سبعاً سماناً».. سنوات كثيرة مرت، ومياه كثيرة تحركت، وبترول أكثر جرى محاولاً إحراق المهرجان الشامخ وسحب البساط من تحته، لكن إخلاص «الملاخ»، وتفانى «سعد الدين وهبة» من بعده، وحنكة وحكمة من ترأس المهرجان بعدهما، جعلت منه واحداً من أربعة عشر مهرجاناً كبيراً معروفاً على مستوى العالم، وبالتالى فهو لم يحقق نجاحاً بالطفرة، بل بناه الأساتذة بالتراكم، لكن البعض كان يريد له أن يموت بالسكتة القلبية، وهذه هى عادة قوى الظلام، فدائماً هناك صراع بين «صوت» المبدع و«سوط» الرقيب.. والتيارات الإظلامية بطبيعتها تعمل بنظرية الفيروس الذى لا يهاجم الجسم إلا إذا ضعف، وهى لن تتورع عن فعل أى شىء إذا ما وجدت الوهن قد دب فى جسد المهرجان، وهو من لن يحدث بفضل فريق عمل متميز يقود المهرجان.
طفرة إيجابية كبيرة شهدها مهرجان القاهرة السينمائى برئاسة السيناريست الموهوب «محمد حفظى»، صحيح أنه مجتمعياً قد يظن البعض أن «المهرجانات» الكبرى ليست «كان» و«برلين» فى دول أوروبا بل «أوكا» و«أورتيجا» فى سماعات الموتوسيكلات! وصحيح أن اسم «حمو بيكا» أكثر شهرة من «حفظى»، لكن الزبد سيذهب جفاء، وسيبقى فقط ما ينفع الناس.
منذ ثمانى سنوات، تشرفت بتقديم استشارات إعلامية لمهرجان القاهرة السينمائى، وقت رئاسة السيدة المحترمة «سهير عبدالقادر» له. وقتها كان المهرجان مُهدداً بالحذف من الأجندة الدولية من الأساس، كانت قضية أمن قومى، وفازت مصر فى معركتها الثقافية فى وقت شديد الحساسية.. سعادتى كبيرة بما وصل إليه المهرجان بعد سنوات من الجهد المتواصل من فرق العمل المتتالية.
ينطلق مهرجان القاهرة السينمائى الدولى هذا العام فى الثانى من ديسمبر القادم، بمشاركة نصف العدد الطبيعى من الأفلام (إجراء مُتبع بسبب وباء كورونا).. والمهرجان يحتاج إلى تكاتف الجميع كى ينجح، لأنه من المهرجانات ذات المحتوى، وليست مجرد شكل مفرغ من مضمونه.