العلاقات بين مصر وجنوب السودان.. من روابط النيل لدعم طبي وإنساني
الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الجنوب سوداني سلفاكير
يزور الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم، لأول مرة، مدينة جوبا لعقد لقاء قمة مع رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير، والتي تعد الأولى من نوعها، ستشهد عقد قمة مصرية - جنوب سودانية، وستتناول مناقشة مختلف الملفات المتعلقة بالتعاون المشترك بين البلدين وسبل تعزيز العلاقات الثنائية.
وستركز القمة على الصعيد الاقتصادي والتنموي، بما يسهم في تحقيق مصالح البلدين الشقيقين وذلك في اطار الإرادة القوية المتبادلة لتعزيز أطر التعاون بينهما، فضلًا عن تناول أهم التطورات السياسية الخاصة بالقضايا الإقليمية والقارية ذات الاهتمام المشترك، وفق ما ذكره بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية.
دعم إنساني وطبي خلال جائحة كورونا والسيول
ترتبط مصر وجنوب السودان بعلاقات قوية تعود لعدة قرون، حيث يربط بينهم نهر النيل الذي يعد شريان الحياة بالبلدين، وظهر الترابط بين البلدين في عدة مواقف مميزة، آخرها خلال السيول الضخمة التي اجتاحت البلاد، في سبتمبر الماضي، حيث وجه السيسي، بفتح جسر جوى لتقديم المساعدات العاجلة إلى الأشقاء من متضرري السيول بجمهوريتي السودان وجنوب السودان، وحملت طائرات النقل العسكرية شحنات من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية.
وخلال جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد -19"، في مايو الماضي، وجه رئيس الجمهورية أيضًا بإعداد وتجهيز طائرة نقل عسكرية وعلى متنها كميات كبيرة من المساعدات الطبية والدوائية والمطهرات والبدل الواقية للأطقم الطبية، فضلًا عن كميات كبيرة من ألبان الأطفال لمساعدتها في التغلب على فيروس كورونا.
وفي عام 2017، قدمت مصر قافلة طبية ودوائية وغذائية تبلغ نحو 20 طنا، هدية من شعب مصر إلى شعب جنوب السودان، لتخفيف المعاناة عن أفراد الشعب، وأعادت إرسال شحنة أخرى في أكتوبر 2018.
العلاقات السياسية.. عمق أمني واستراتيجي
يعتبر جنوب السودان ذو أهميةً استثنائية لمصر، لما يمثله من عمق أمني واستراتيجي، وفقا لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، مشيرًا إلى العلاقات التاريخية الضخمة باعتباره أرض التلاقي والتواصل العربي الأفريقي، لذلك القاهرة كان من أولى الدول التي أعلنت دعمها لدولة جنوب السودان والاعتراف بها دولة مستقلة، وإقامة علاقات دبلوماسية معها.
وفي إطار دعم مصر لجنوب السودان، سبق أنَّ أرسلت مصر أكبر قوات حفظ السلام الدولية بجنوب السودان، لاستقرار الدولة، كما تعمل على تقديم يد العون في مجالات التعليم والصحة والمشروعات الخدمية والبنية التحتية، والتعاون المشترك فى كافة المجالات.
وسبق أنَّ التقى السيسي بسيلفا كير، في 24 سبتمبر 2014، بنيويورك، على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أشاد رئيس جنوب السودان بدور مصر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، مشيدًا بدعمها لبلاده في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال التعليم، كما أنَّه في 20 سبتمبر 2016، ترأس السيسي قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي، التي ناقشت تطورات الوضع في جنوب السودان، وأكّد خلالها أهمية التوصل إلى آلية فعالة لمساعدة كل الأطراف .
وفي 22 نوفمبر 2014، زار رئيس جمهورية جنوب السودان مصر على رأس وفد رفيع المستوى يضم مجموعة من الوزراء، واستقبله الرئيس ثم عقدا جلسة مباحثات ثنائية مغلقة، تلتها جلسة مباحثات موسعة، حيث أكَد السيسي استمرار مصر في تقديم مساعداتها إلى أشقائها في جنوب السودان، واعتبر سيلفا كير أن هذه الزيارة بمثابة رسالة قوية تعكس عمق العلاقات بينهما، ثم أعاد الزيارة مجددًا في 10 يناير 2017، لبحث سبل تعزيز مختلف جوانب العلاقات الثنائية بين مصر وجنوب السودان، كما تمت مناقشة بعض القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المُشترك، فضلا عن بحث عملية السلام فى جنوب السودان.
وزار سيلفاكير مصر للمرة الثالثة في 17 يناير 2019، لبحث أطر وآفاق التعاون المشترك بين مصر وجنوب السودان، حيث أعرب عن الارتياح لمستوى التعاون والتنسيق القائم بين الدولتين، مع تأكّيد أهمية دعمه وتعزيزه لصالح البلدين والشعبين الشقيقين.
الدعم الاقتصادي.. اتفاقيات ومشروعات
كما حرصت مصر على دعم جنوب السودان أيضًا من خلال تفعيل عدة مشروعات تنموية، من بينها مشروع إنشاء المزرعة النموذجية بولاية غرب بحر الغزال، وإنشاء عدد من سدود حصاد مياه الأمطار، والبحث في البدء بتنفيذ عملية تطهيرات المجارى المائية بحوض بحر الغزال ونهر السوباط من الحشائش العائمة ولدرء مخاطر تراكم الطمي والتي تشمل تأهيل المجرى الملاحي لمجرى بحر الجبل بحنوب السودان.
ووقعت البلدين اتفاقية التعاون الفني بشأن التعاون الفني والتنموي في مجال الموارد المائية للتعاون في مجال ادارة وتنمية الموارد المائية، وتدريب العاملين على التقنيات المختلفة لتنمية وإدارة المياه والري، فضلا عن مذكرة تفاهم للتعاون الزراعي لإنشاء مزرعة نموذجية مشتركة على مساحة 200 هكتار، وأخرى للتعاون في مجال الكهرباء بين وزارتي الكهرباء والطاقة في كلا البلدين، وأخرى للتعاون في مجال الصحة بين وزارتى الصحة والسكان فى كلا البلدين.
وفي 20 أبريل 2013، وقع البلدان عقود تنفيذ 3 مشروعات بجنوب السودان مع شركة المقاولون العرب بمنحة مصرية قيمتها 7.2 مليون دولار، لإنشاء مرسى نهري في مدينة بانتيو عاصمة ولاية الوحدة لربط الولاية بولاية غرب بحر الغزال ملاحيا، وتأهيل 3 محطات لقياس المناسيب والتصرفات بحوض بحر الغزال، وإنشاء محطة طلمبات على نهر الجور بمدينة واو عاصمة ولاية بحر الغزال لتوفير مياه الشرب.
كما تتولى مصر إنشاء معمل مركزي لتحليل نوعية المياه منذ عام 2012 بجوبا، الذي يعتبر الأول من نوعه الذي يتمّ إنشاؤه في جنوب السودان، وتمّ تزويده بأحدث الأجهزة والمعدات والمهمات اللازمة لعمل جميع أنواع تحليلات المياه للحد من مصادر التلوث بالمجاري المائية بجميع ولايات جنوب السودان، وفي 18 يناير 2018، جرى توقيع بروتوكول تعاون لإنشاء أكبر منطقة صناعية مصرية بالعاصمة لزيادة حجم الصادرات المصرية.
تنمية السودان.. تمويل وتخطيط ومنح واتفاقيات
كما تهتم مصر بتنمية جنوب السودان، عبر تمويل وتخطيط مشروعات ومنح واتفاقيات، من أجل التنمية الشاملة، لاسيما في مجالي التعليم والصحة، منها تنفيذ مشروع لإنشاء مجمعات لمياه الشرب، عبر حفر 30 بئرًا جوفيًا، لتوفير مياه الشرب الصالحة لأهالي جنوب السودان، فضلا عن إنشاء معمل مركزي لتحليل نوعية المياه بالجنوب، ومشروع لقياس مناسيب وتصرفات المياه، وإنشاء سد متعدد الأغراض يعمل على توفير الطاقة الكهربائية اللازمة لأهالي المنطقة.
وحرصت أيضًا على تقديم عدد من الدورات التدريبية لإعداد الكوادر، وتوفير المنح الدراسية بالجامعات المصرية لأبناء جنوب السودان، فضلًا عن إنشاء مدارس بجوبا، إلى جانب مشروعات الرى المصرى لتنظيف مجرى النهر في بعض أفرع بحر الغزال وإنشاء 3 محطات للكهرباء منها واحدة فى "واو"، وعيادة طبية بجوبا، وزيادة عدد وحدات الغسيل الكلوي في مستشفى جوبا التعليمي.
فيما أعدت وزارة الخارجية، عبر الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية برنامج تدريبي في مجال البروتوكول لـ11 من كوادر جنوب السودان من العاملين في مكتب الرئيس سلفا كير ميارديت رئيس جنوب السودان.
وفي نوفمبر 2018، أوفدت وزارة الصحة والسكان قافلة طبية تشمل عددًا من التخصصات إلى مدينة جوبا، بجنوب السودان، فى إطار تقديم الدعم الطبي والتعاون المشترك بين البلدين، فضلًا عن قافلة أخرى في فبراير 2020، لقياس حدة الإبصار لإجراء عمليات المسح الطبي اللازمة على طلبة المدارس وتقديم 2000 نظارة طبية مجانية للطلبة في جنوب السودان، وذلك في إطار مبادرة مصر أفريقيا لوزارة الصحة والسكان.
وتولي مصر اهتمامًا خاصًا بمجال التعليم في جنوب السودان، فوضعا حجر الأساس لجامعة الإسكندرية فى الجنوب، ومنحت أبناء الجنوب منحًا دراسية سنوية بالجامعات المصرية.