الثورة نجحت.. إذا أردت أن تتأكد من ذلك فاسأل نفسك: هل المواطن المصرى قبل 25 يناير مثله مثل المواطن بعد هذا التاريخ؟ أى منصف سوف يجيب عن هذا السؤال بالنفى. فالمواطن كسر حاجز الخوف، وأصبح الانخراط فى تظاهرة أو الإضراب عن العمل أو الاعتصام فى مكان العمل -بالنسبة له- أيسر شىء يمكن أن يقوم به إذا كانت له مطالب معينة، بعد سنين طويلة عاشها وهو يبتلع بؤسه وشقاءه، ويحتال على الحياة من أجل أن يعيشها. معطيات المشهد الآن مختلفة تماماً، والفضل فى ذلك يعود إلى الثورة التى علّمت المواطن أن أقصر طريق لنيل حقوقه هو المطالبة بها والإصرار عليها.
قد يقول واحد من الذين لم تصل الثورة إليهم إن المظاهرات الفئوية التى تغرق بر المحروسة الآن سوف تضر بواقعنا الاقتصادى الذى لا يحتاج إلى مزيد من التعقيد. فإضراب عمال النقل العام سوف يشل الحياة، وإضراب المعلمين يهدد بوقف الدراسة بالمدارس، واعتصام الموظفين بالجامعات قد يؤدى إلى توقف التعليم الجامعى. هذا القائل يغنى «قديم.. قديم جداً!». فالعكس هو الصحيح تماماً، فكل من خرجوا فى مظاهرات أو نظّموا إضرابات أو اعتصامات هم بشر يريدون أن يتطهروا. «إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين».
فعدم خروج أفراد الشعب بهذه الكثافة والإصرار أيام حكم المخلوع لم يكن مردّه مجرد الخوف من آلته القمعية، بل كان سببه أن كل موظف وكل عامل فى هذا البلد «كان بيصرّف نفسه»! فالكل كان «يهبش» من بعضه، ويخطف من جيب من يجاوره. لقد كان «الفساد هو الحل» فى عصر المخلوع. والأمر الآن مختلف. فالناس تريد أن تحيا حياة نزيهة، ولم تعد لديها أية رغبة فى ممارسة ألعابها القديمة فى الفساد، لذلك تخرج وتتظاهر من أجل الحصول على دخل يساعدها على الحياة بشرف. يكفى أن نشير فى هذا السياق إلى أن مطلب معلمى المدارس بزيادة المرتبات ارتبط بمطالبتهم بتجريم الدروس الخصوصية. لقد نجحت الثورة أيضاً فى تطهير المواطن.
الآن يواجه المواطن السلطة الجديدة التى أصبحت فى قبضة الإخوان بدرجة أعلى من الشراسة، مقارنة بحالة البطء التى سيطرت عليه فى مواجهة سلطة المخلوع، والفضل فى ذلك يعود إلى الثورة التى علّمته ألا يستسلم لأى نوع من الخداع، أو أى شكل من أشكال التخويف، لقد حاولت سلطة الإخوان أن ترسل للمواطن رسائل تخويف متعددة منها: الحديث عن تفعيل قانون الطوارئ، وإصدار قانون يجرم الاعتصامات والإضرابات، ولكن المواطن المهموم بحقوقه لم يعد يأبه؛ لأنه يفهم جيداً أن «الإخوان» ركبوا الثورة من فوق «سطوح» القطر!