ما حكم نشر وصفات طبية لـ كورونا من صيادلة؟.. الإفتاء تجيب
جانب من صيدلية
بين تأكيدات أحد الصيادلة فاعلية "خلطة أعشاب" لعلاج كورونا، ونفي نقابة الصيادلة، أثيرت حالة من الجدل في وقت يستجدي فيه الجميع علاجا للفيروس القاتل، جاء رأي الشرع فيما ينشر من علاجات وأدوية سواء للوقاية أو مكافحة فيروس كورونا المستجد، يحرم الوصفات من غير المتخصصين.
وكان الدكتور حاتم جمعة، الصيدلي المثير للجدل، صاحب علاج فيروس كورونا بالأعشاب، أكد أنّه نجح في علاج أكثر من 8 آلاف مصاب بفيروس كورونا المستجد من خلال "خلطة الأعشاب" التي صنعها منذ بدء انتشار الجائحة، مؤكدا أنّ جميع الحالات استجابت للعلاج وشفيت من الفيروس بشكل تام، وأنّه بالفعل حصل على ترخيص من وزارة الصحة بالعلاج.
وأعلنت نقابة الأطباء بالمنوفية، في بيان سابق لها، أنّها وجهت محام النقابة برفع دعوى قضائية ضد الصيدلي حاتم جمعة، الذي ادعى اختراع علاج لفيروس كورونا، دون ترخيص بذلك، وأوضحت نقابة أطباء المنوفية في بيانها، أنّ النقابة اتخذت الإجراء بعد التواصل مع العديد من الجهات لوقف هذا النشاط والترويج له وقيام إدارة التفتيش الصيدلي بإجراءاتها وإبلاغ النيابة العامة.
وبحسب الشرع: وصف الدواء للمرضى وتشخيص حالتهم الصحية وتقديم النصح لهم: كل ذلك من اختصاص الطبيب المعالج الذي هو منوط بالكشف والاستفسار عن حالة المريض؛ فلا يحق لغير الطبيب -صيدليًّا كان أو غيره- أن يتجاوز مهام عمله ويصف الدواء للمرضى؛ استنادًا على ما جرت عليه عادة الأطباء من وصف أدوية معينة لأعراض معينة؛ لأنه وإن تشابهت الأعراض، فإن ما يصلح لمريض قد لا يصلح لمريض آخر، ومعرفة هذا الأمر من شأن الطبيب المختص، وقد نص القانون رقم (127) لسنة 1955م في شأن مزاولة مهنة الصيدلة في مادته رقم (72) على أنّه: [لا يجوز للصيدلي أن يجمع بين مزاولة مهنته ومزاولة مهنة الطب البشري، أو الطب البيطري أو طب الأسنان، حتى ولو كان حاصلًا على مؤهلاتها] اهـ.
حكم الشرع في الوصفات من غير المتخصصين
وذكر موقع الإفتاء أحد الأسئلة الخاصة بحكم الشرع في تعْمَد غير المختصين إلى نشر وصفات طبية للوقاية من هذا الفيروس دون التَّثبُّت من جدواها الطبي؛ فهل هذا جائز شرعًا؟
وجاءت الإجابة كتالي: أرشدنا الشرع الكريم إلى اتباع المصادر حال الاستفسار؛ فأمرنا بسؤال أهل الذِّكْر إذا خَفِي علينا شيء؛ فقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].والمراد بأهل الذكر: هم أهل التخصص والعلم والخبرة في كل فنٍ وعلمٍ؛ وفي ذلك يقول الإمام الزَّجَّاج في "معاني القرآن وإعرابه" (3/ 201، ط. عالم الكتب) عند كلامه على هذه الآية وأَنَّه ليس المراد منها سؤال طائفةٍ معينة: [ويجوز -والله أعلم- قيل لهم: سلوا كلَّ من يُذْكَرُ بعلمٍ، وافق هذه الملة أو خالفها] اهـ. وهذا مبني على عموم لفظ الآية الكريمة لا على خصوص سببها؛ وحملُ اللفظ على عمومه أولى ما لم يَرِد له مُخَصِّص.ينظر: "العقد المنظوم" للعلامة القرافي (ص: 738، ط. دار الكتبي)، و"التحبير" للإمام المرداوي (6/ 2843، ط. دار الرشد).
ويتابع الموقع: فيُسْأَل في كل علمٍ من علوم الدِّين أو الدنيا أهلُه؛ وتعيين أهل الذكر في الآية بالنطق -كما يقول الإمام القرافي في "شرح تنقيح الفصول" (2/ 483، ط. شركة الطباعة الفنية)- يقتضي بالمفهوم تحريم سؤال غيرهم.
ولأجل الإحالة على أهل الاختصاص؛ حَذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن تَطبُّب غير الطبيب وتَصدُّرِه لعلاج الناس من غير أهلية لذلك، وأخبر أَنَّ فاعل ذلك مُتَحمِّل لتبعات فعله وآثار تصرفه، ولا يَشْفَع له حُسْن القصد؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ" أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، والحاكم في "المستدرك" وقال: [صحيح الإسناد] اهـ.
وفي لفظٍ: "مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا؛ فَهُوَ ضَامِنٌ". ومعنى التَّطبُّب: الإقدام على ممارسة الطب مع الجهل بهذه الممارسة؛ ولَفْظَة: (تَطبُّب) تدل على تكلف الشيء والدخول فيه بعُسْرٍ وكُلْفَة، وأنَّه ليس من أهله؛ قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 39، ط. المطبعة العلمية): [والمتعاطي علمًا أو عملًا لايعرفه متعدٍ، فإذا تولد من فعله التلفُ ضمن الدية، وسقط عنه القود؛ لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض] اهـ.
التحدّث بغير علمٍ في العلوم الطبية لا يقل خطورة عن التدخل بغير علم في العلوم الدينية
التحدّث بغير علمٍ في العلوم الطبية لا تقل خطورته عن التدخل بغير علم في العلوم الدينية، فالتجرؤ في علوم الدين بغير علم يؤول إلى فساد في الاعتقاد والدين، والتجرؤ في العلوم الطبية وكل ما يتعلق بأمن الإنسان وحياته؛ من طب، وصيدلية، وهندسة، قد يؤول إلى فساد في الأنفس، وقد يعرض حياة الإنسان إلى الخطر، ومن المقاصد الشرعية العليا حفظ النفس، وتعد أهم الضروريات المقاصدية الخمس التي قام على أساسها الشرع الشريف؛ فكان حفظها أصلًا قطعيًّا، وكليةً عامةً في الدِّيْن.
ووصفُ غيرِ المختصين لمهنة الطب الأدويةَ للمرضى أو تقديم النصح لهم؛ هو من باب التَّكَلُّم بغير علمٍ؛ وقد نهى الله تعالى عن أن يتحدث الإنسان فيما لا يعلم، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].
قال الإمام الشافعي في "الرسالة" (1/ 41، ط. الحلبي): [فالواجبُ على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم مَن لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه؛ لكان الإمساكُ أولى به، وأقربَ من السلامة له إن شاء الله] اهـ.وقال الإمام ابن حزم في "الأخلاق والسير" (ص: 23، ط. دار الآفاق الجديدة): [لَا آفَة على الْعُلُوم وَأَهْلهَا أضرّ من الدخلاء فِيهَا، وهم من غير أَهلهَا فَإِنَّهُم يجهلون ويظنون أَنهم يعلمُونَ ويفسدون ويقدرون أَنهم يصلحون] اهـ.
بل إنَّ مفاسد نشر هذه الوصفات من غير المختصين أكبر من المصالح المزعومة، ولا يَشْفَع في ذلك حُسْن القصد؛ لأنَّ فيه عَبَثًا بحياة الناس يُؤدي إلى الإضرار بصحتهم وأبدانهم، وهذا نوع من الفساد في الأرض يتنافي مع حرص الإسلام الشديد على حماية الحياة الإنسانية وصيانتها وتحريم الاعتداء عليها؛ قال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]. قال الإمام الرازي في "تفسيره" (11/ 344، ط. دار الكتب العلمية): [المقصود من تشبيه قتل النفس الواحدة بقتل النفوس: المبالغة في تعظيم أمر القتل العمد العدوان وتفخيم شأنه؛ يعني: كما أن قتل كل الخلق أمرٌ مستعظمٌ عند كل أحدٍ، فكذلك يجب أن يكون قتل الإنسان الواحد مُستَعظَمًا مَهيبًا] اهـ.
وصفَ غير المختصين للأدوية من الترويج للكذب والباطل في المجتمع
إضافةً إلى أَنّ وصفَ غير المختصين لتلك الأدوية؛ هو من الترويج للكذب والباطل في المجتمع، وقد تظاهرت النصوص الشرعية على تحريم الكذب؛ والنصوص الدالة على ذلك كثيرة؛ منها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا". وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ.." الحديث.
لا يحق لغير الطبيب سواء كان صيدليًّا أو غيره تجاوز مهام عمله ووصف الدواء للمرضى
وصف الدواء للمرضى وتشخيص حالتهم الصحية وتقديم النصح لهم: كل ذلك من اختصاص الطبيب المعالج الذي هو منوط بالكشف والاستفسار عن حالة المريض؛ فلا يحق لغير الطبيب -صيدليًّا كان أو غيره- أن يتجاوز مهام عمله ويصف الدواء للمرضى؛ استنادًا على ما جرت عليه عادة الأطباء من وصف أدوية معينة لأعراض معينة؛ لأنه وإن تشابهت الأعراض، فإن ما يصلح لمريض قد لا يصلح لمريض آخر، ومعرفة هذا الأمر من شأن الطبيب المختص، وقد نص القانون رقم (127) لسنة 1955م في شأن مزاولة مهنة الصيدلة في مادته رقم (72) على أنه: [لا يجوز للصيدلي أن يجمع بين مزاولة مهنته ومزاولة مهنة الطب البشري، أو الطب البيطري أو طب الأسنان، حتى ولو كان حاصلًا على مؤهلاتها] اهـ.
فإذا كان هذا الحال مع مهنة الصيدلة التي هي أقرب -من حيث المِهنيَّة- إلى الطبيب؛ فكيف الحال بمَنْ هو خارج عن هذه المهنة مِن عموم الناس، فعلى الإنسان العاقل أن لا يضع أمر صحة بدنه تحت تَصرُّفِ كل مَنْ تُسوِّل له نفسه أنَّه يَفْقَه في كل شيء، وعليه أن لا يُسَلَّم عقله للوصفات الطبية غير الموثوق منها؛ وعليه أيضًا في سياق المعالجة الحكيمة عند سماع خبرٍ غير موثوقٍ منه أمران:أولهما: عدم التهاون والتساهل في أمر هذا الخبر، بل اعتباره أمرًا عظيمًا؛ لما فيها من الوقوع في إثارة الفتن لا سيما أوقات الأزمات التي تستدعي أصالةً توافر الجهود من أبناء المجتمع والتفافهم حول التعليمات الرسمية والأخبار الصحيحة فيما يخص هذا الفيروس.
ثانيهما: عدم تناقل هذا الخبر بالألسن إلَّا التحقق والتَّثبُّت والسؤال عن صحة ما سمعه.وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فنشر الوصفات الطبية للوقاية من "فيروس كورونا المستجد" من غير المختصين دون التَّثبُّت مِن جدواها أمرٌ مذموم، وناشرُ هذه الوصفات الطبية داخلٌ في حيز الخَطَر، ولا يَشْفَع له حُسْن القصد؛ فالعبث بحياة الناس والإضرار بصحتهم وأبدانهم نوعٌ من الفساد في الأرض يتنافى مع حرص الإسلام الشديد على حماية الحياة الإنسانية وصيانتها وتحريم الاعتداء عليها، ووصف الدواء للمريض هو من اختصاص الطبيب المعالج، ولا يجوز لغير الطبيب التجرؤ على وصف دواءٍ لمريض.والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكان مصدر بنقابة الصيادلة، كشف عن أنّ النقابة ستفتح تحقيقًا في واقعة إعلان الصيدلي حاتم جمعة، عن اختراعه علاج لفيروس كورونا بالأعشاب إلى التحقيق، مؤكدًا أنّ الأعشاب لا تعالج فيروس كورونا، مضيفًا أنّه لا يمكن لأي صيدلي الإعلان عن اختراع علاج جديد، بطريقة فردية أو عشوائية، وأنّ ما اعلنه الصيدلي المذكور مخالفة تستوجب العقاب، مؤكدًا أنّ هناك جهات رسمية معنية بالإعلان عن أي دواء جديد، خاصة فيما يتعلق بجائحة كورونا، ووفق البروتوكولات الطبية العلمية.