أكثر من ثمانية شهور مرت على بداية تلك الجائحة غير المسبوقة فى التاريخ البشرى الحديث.. عام أو يقل قليلاً كاد أن ينقضى وما زلنا لم نتخلص من ذلك الوباء الذى عصف بالبشرية بقسوة وعنف لم نعتده فى معظم الأوبئة السابقة ربما منذ عصور الطاعون ذاته..!
اللقاحات قد اقترب معظمها من الظهور.. ربما أسابيع قليلة ويتم الإعلان عن توافر لقاح أو أكثر ليبدأ سباق آخر بين الدول والأفراد للحصول عليه قبل الآخرين.. شركات الدواء فى سباق محموم بينها للوصول للناس أولاً.. سباق ظاهره إنقاذ الإنسانية وباطنه الانتصار لأنفسهم بكل تأكيد..!
خبرتنا بكوفيد قد ازدادت بشكل كبير.. تخبرنا أعداد الوفيات التى انخفضت بشكل ملحوظ فى الموجة الثانية بذلك على الرغم من زيادة الإصابات.. كما تخبرنا طرق التشخيص وبروتوكولات العلاج التى صارت أكثر دقة بأن الأمر لم يعد مفاجأة تربك حساباتنا.. بل صار مرضاً موجوداً فى قائمة الأمراض التى يشخصها الأطباء..!
الأطباء أنفسهم صاروا أقل ذعراً من المرض.. صرنا نتعامل مع مرضى كوفيد بحذر دون ذعر.. وكأننا استسلمنا للأمر ورضينا بقدرنا أن نواجه الموت فى كل لحظة..!
الطريف أن اتهاماً قوياً -تزداد شدته فى هذه الأيام تحديداً- قد طال وسائل الإعلام العالمية بكل أشكالها أنها شكّلت سبباً رئيسياً فى ما حدث للعالم كله جرّاء تلك الأزمة.. يتحدث البعض عن تعمُّد لإثارة الذعر من كوفيد قد تم بشكل ممنهج فى كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لأغراض سياسية واقتصادية..!!
الاتهام لم يخلُ من بعض الحقيقة فى رأيى.. ففى خلال الفترة الماضية لم يمر يوم دون أن تنشر كل صحف العالم أكثر من خبر عن كوفيد وبعناوين مثيرة لجذب القراء.. ولم يتوقف برنامج تليفزيونى عن الحديث عنه باستفاضة غريبة.. معظم الناس أصبحوا يعرفون عنه معظم ما يعرفه الأطباء وعلماء الفيروسات أنفسهم.. بل إننى أجزم أن كثيراً من بروتوكولات العلاج فى الفترة الأولى قد تم تصميمها ووصفها للناس على وسائل التواصل الاجتماعى وفى برامج التليفزيون دون أى إشراف طبى.. أعرف صديقاً يتابع أعداد الإصابات والوفيات بشكل يومى ويحفظها بتفاصيلها وكأنها جدول نقاط الدورى العام.. وآخر لا يتوقف عن السؤال عن أدوية الوقاية لكل من يعرفهم من الأطباء بشكل محموم بل ويشتريها ليقوم بتناولها وتخزينها دون داع!!
السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هو: هل أخطأ الإعلام بما فعل؟.. هل كان ينبغى التعامل مع أخبار كوفيد بشكل أقل حدة وكثافة؟.. الإجابة فى رأيى هى: نعم..!
لقد وضع الإعلام العالم كله تحت ضغط عصبى كبير.. الكثيرون قد جرّتهم شهوة السبق والخبر وسباقات التريند إلى نشر كل ما يتعلق بالأزمة بشكل مثير ليجذب الناس.. دون أن يتحرى تأثير ذلك على حالة الفزع التى اجتاحت العالم.. ودون أن يضع المصلحة الإنسانية فى المقام الأول..!
سينتقدنى الإعلاميون لما أصرح به الآن دون شك.. يؤمنون جميعاً أن البحث عن الخبر هو مهنتهم ورسالتهم.. أنا لا أعترض على ذلك بكل تأكيد.. فقط تكثيف العرض هو ما أتحدث عنه فى السطور السابقة.. يحتاج كوفيد أن يصيب ٥٠٠ شخص ليموت شخص واحد.. لذا فخبر تعافى ٤٩٩ مريضاً أفضل بكثير من خبر وفاة شخص..!!
كنت أعتقد أن إفراد المساحات الإعلامية لوسائل الوقاية والنظافة الشخصية وسبل مكافحة العدوى، مع نشر الأخبار الإيجابية وقصص التعافى، سيجعل الأمر أفضل بشكل كبير..!
يحتاج الإعلام العالمى كله أن يعيد النظر فى تجربة كوفيد.. يحتاج أن يتعلم منها ويستفيد بها.. فكوفيد لم يكن أول الأوبئة وأصعب الأزمات.. ولن يكون آخرها فى هذا العالم المتخم بالأمراض وصانعى الأزمات.. أو هكذا أعتقد!!