تناول العديد من الكتب والمصادر الدولية فكرة سيطرة عدد من الشخصيات أو جماعات على العالم ومقدراته لصالح دول أو أيديولوجيات. ومن تلك الجماعات المنسوب لها تلك السيطرة كانت جماعة بيلدربيرج التى تأسست عام 1954 فى هولندا. الهدف المعلن لها كان منع وقوع حرب عالمية ثالثة وحماية الرأسمالية عبر تعزيز الحوار بين أعضائها المنتمين لأوروبا وأمريكا، والعاملين فى كافة المهن القيادية فى الاقتصاد والإعلام والسياسة والعسكرية. حيث يطرح كل منهم المتاح لديه من معلومات ليتم استخدامها لصالح ما يسعون لتحقيقه. ولكن وجد هؤلاء أنه يمكنهم السيطرة على العالم لتحقيق أهدافهم. هذا ما تناولته التقارير عن الجماعة بعد العثور مصادفة على بعض الأوراق الخاصة بأدبياتها ونُسب لها فى العام 1979 وحمل اسم «الأسلحة الصامتة»! أى الأسلحة التى تقتل فى صمت وبلا ضجيج وبلا تحديد لمتهم بعينه دون تحريك الجيوش أو أدوات القتل.. أسلحة بلا صوت ولكنها ذات نتيجة تفوق التوقعات لأنها تصيب النفوس والقلوب والعقول.
تقول تلك الوثائق إن الغرض الأصلى من بحوث العمليات فى تلك الجماعة كان الدراسة الاستراتيجية والمشاكل التكتيكية للدفاع الجوى والأرضى بهدف الاستخدام الفعال للموارد العسكرية ضد أعداء الدول الأعضاء فى المجموعة. ولكن سرعان ما أدركت تلك النخبة -التى لا يتجاوز عددها وفقاً للمعلومات 150 شخصاً- أنه من المفيد السيطرة على المجتمعات باستخدام ما لديهم من قوة ونفوذ ومعلومات وتكنولوجيا هم لها أسبق لإعادة تشكيل الهندسة الاجتماعية وتحقيق مصالحهم فى كافة بلدان العالم!
ولذا لا تتعجب وأنت تقرأ فى أوراق تلك الوثيقة -المتاحة على الإنترنت- من استخدامها لعبارة قالها ماير أمشيل روتشيلد -وهو مصرفى ألمانى يهودى عاش فى الفترة من 1744-1812 وهو مؤسس بنك روتشيلد- تقول: «أعطنى السيطرة على عملة الدولة، ولا يهمنى من يضع قوانينها». وهى عبارة توضح لك مسار السيطرة منذ سنوات بعيدة. تبدأ بالاقتصاد وتنتهى بإعادة تشكيل سلوك الأفراد الاجتماعى والاستهلاكى. وهو ما يتفق مع ما طرحه «جون بيركنجز» المصرفى الأمريكى الذى عمل بالبنك الدولى وألّف كتاباً عام 2004 تُرجم للعديد من اللغات ومنها العربية بعنوان «الاغتيال الاقتصادى للأمم»، ويحكى فيه بالوقائع كيف يتم السيطرة على دول العالم عبر من خلال اقتصادها بنشر ثقافة الاستهلاك بكافة الماركات العالمية فى كل المجالات من أحذية رياضية وساندويتشات ومياه غازية إلى شركات البترول والطاقة، وهو ما يمنح تلك القوى العالمية فرصة تغيير السياسات الخاصة بدول العالم عبر تلك الشركات!!
لم يفاجئنى هذا الحديث ولا تلك الوثيقة المتاحة على الإنترنت بالانجليزية بذات العنوان، وبخاصة أن العديد من الكتب والمنشورات الغربية قد تناولت قصة تدمير الشعوب فى تعليمها وأخلاقها واقتصادها وفنونها وثقافتها وكافة ملامح قوتها الناعمة ليسهل نشر الفوضى بها والسيطرة عليها. شاهد فيديو عميل المخابرات السوفيتية السابق بيزمينوف وحديثه عن نظرية تدمير الشعوب عبر تدمير جيل دراسى فى فترة زمنية لا تتجاوز 15-20 سنة.
نعم، سيطر على عقول أفراد أى مجتمع بدراما وإعلام وتعليم وخطاب دينى وثقافة متراجعة، ضخ أموال عبر وسطاء غسيل المال بدعوى الاستثمار فى الفن والإعلان والإعلام ودعهم كى يتهاووا وانتظر السقوط، سيتهاوون إن آجلاً أو عاجلاً.
اصنع نماذج فى الإعلام والفن والروايات تعيث فساداً فى النفوس بقوة الإعلان والدعم غير المباشر -حتى ولو دون علم الشخصية التى يتم استخدامها- جهلاً أو تجاهلاً من أجل المال-! وهو ما يمثل توضيحاً لنظرية «الأسلحة الصامتة». إعلام لا يقدم غير الفضائح والحوادث ويجرى وراء غرائز الجمهور ينشر العنف ويركز على البغضاء والجهل. سينما تحتفى بالفاشلين وتجعل منهم نجوماً رغم محدودية مواهبهم وما تحمله أعمالهم من إساءة وابتذال. اجعل من هؤلاء نموذجاً وقدوة وفوهة بركان تندلع منها حمم الإسفاف. والنتيجة المطلوبة وفقاً لنظرية الأسلحة الصامتة: جمهور جاهل غاضب سطحى لا علاقة له بالدولة والهوية والانتماء والتنمية.
ربما تتساءلون مثلى وكيف النجاة؟ أردد دوماً التربية فى الأسرة، التعليم بالمدرسة، الثقافة فى الإعلام، الالتزام فى الشارع والقانون سيف على رقاب الجميع.