«الجفرى» و«حرقان».. مواجهة بين الشيخ والملحد
تناولت الحلقة الأولى من برنامج «لحظة سكون»، الذى يقدمه الإعلامى البارز «خيرى رمضان»، مع الشيخ «الحبيب على الجفرى»، على فضائية «سى. بى. سى» وتنشرها «الوطن» حصرياً، قضية «الإلحاد» والشك. وعرض «رمضان» مشكلة أحد الشباب الذى نشأ فى بيت متدين، ولكنه دخل فى مرحلة الشك دون أن يجد من يجيب عن تساؤلاته، وترك الصلاة وذهب إلى «الإلحاد»، وهو ما اعتبره «الجفرى» سوء فهم لطبيعة الإسلام وسوء تقدير من جانب الشاب، الذى ظن أنه فهم ثم اصطدم ببعض المسلمات فيه ولم يجد من يجيب عن تساؤلاته أو يحللها.
وتعرض «الجفرى» خلال حواره مع «رمضان» إلى أزمة تحريم التساؤل والربط بينه وبين الشك، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى تجاوز بعض الشباب للمحرمات، واعتناق أفكار تبعدهم عن الدين، لأنهم لم يجدوا من يملأ عقولهم بأجوبة، ناصحاً الشباب الذين يتساءلون فى بعض أمور الدين، بألا ينشروا ما توصلوا إليه أو يجروا غيرهم إليه قبل أن يتحققوا منه.[FirstQuote]
خيرى:
سيدى فى لحظة سكون هناك من الشباب من يرى أن من حقه أن يشك ويعيد النظر فى وجود الخالق، وأن ينظر مرة أخرى فى أمر: هل هناك أنبياء؟ وهل هم منزلون ومنزهون؟ هل من حقى ألا أرى الله؟ هل من حقى أن أسأل؟ وهل من حقى أنا كخيرى رمضان فى هذه الحلقات أن أقول إننى سأصطحب أصدقائى المُلحدين لأقدم إليك أفكارهم لنتحاور حولها؟
الجفرى:
هنا 3 نقاط، النقطة الأولى المتعلقة بالشك، والثانية المتعلقة بالسؤال، والثالثة طبيعة الصلة بينى وبين الإنسان الذى ألحد أو تشكك. النقطة الأولى قضية الشك هل من حق الإنسان أن يشك أو لا؟ الأسباب التى دعتنا لهذا للسؤال فى الأصل خاطئة، لأن الشك ليس اختياراً، يعنى ليس زراً إن كبسته شككت وإن كبسته مرة أخرى توقفت، لا يسأل أصلاً من حقى أو لا، الشك هو واقع إن حصل الشك فليس الرد عليه أنه من حقى أو ليس من حقى، لا ينبغى أن أطالب بأن أبحث عن الشك حتى أتأكد أننى على صواب، ليس هذا وليس ذاك وليس لى قرار.
الأمر الثانى هو هل من حق الإنسان أن يسأل فى المناطق التى كانت تعد من المسلمات ويعدها البعض خطوطاً حمراء؟ هنا لنا الحق أن نسأل هل من حقى؟ نقول إذا حصلت الشكوك فى النفوس وعظمت التساؤلات فى الصدور لا نقول من حقه أن يسأل، نقول يجب عليه أن يسأل، ومن واجبه، من الذى يوجب عليه؟ صدقه هو فى البحث عن الحق، إذا أردت أن أكون إنساناً متسقاً مع ما أقول وما أعتقد، فلا يتأتى أن أبقى وأتظاهر بمعتقد معين وبداخلى شكوك كبيرة تجاه هذا المعتقد دون أن أسأل عنها. إذن من حق الإنسان بمقتضى الصدق أن يسأل ويتساءل عن أى شىء، لا توجد خطوط حمراء فى هذا الأمر، فقط يوجد شرطان: الأول هو الجدية، فلا تجعل المسألة مثل النكتة أو التسلية أو تقضية وقت، ما دام الأمر متعلقاً بالمسلمات، وهذا يتطلب بعض التفاصيل سنأتى إن شاء الله عليها. الأمر الثانى ألا تفقد الأخلاقيات الإنسانية الراقية عندما تتناول الأشياء المتعلقة بالمسلمات.
السؤال الثالث هو الصديق الملحد.. كلمة صديق مأخوذة فى اللغة العربية من جذر له علاقة بالصدق وقوة الارتباط، فكل إنسان بينى وبينه صدق صلة وقوة ارتباط فهو صديقى، فالصديق المُلحد إذا كانت الصلة بينى وبينه صداقة أى صدق، فلا نكذب على بعضنا البعض، وفى الارتباط الإنسانى لا شك أنه صديقى المُلحد ولهذا الدكتور مصطفى محمود رحمه الله ألف كتابه المشهور حوار مع صديقى المُلحد.
خيرى: فى هذه الحلقات سأقدم آراء أصدقائى المُلحدين والمتشككين.. أول صديق هو «أحمد حرقان»، شاب مُلحد عنده وجه نظر.[SecondQuote]
أحمد حرقان:
قررت أن أترك الإسلام، أكثر شىء كنت أشك فيه الرسول نفسه، تركت دين الإسلام وأنا فى الصلاة، وتركت الصلاة من نصفها، أنا آخر واحد فى الدنيا كان ممكن يبقى مُلحد وهذا شىء لم أتصوره أبداً طول 27 سنة التى عشتها، أهلى كلهم متدينون وعائلتى بصفة عامة متدينة، جدى من ناحية الأب كان شيخاً مشهوراً من القراء، أسرتى كانت متدينة من ناحية الأب والأم متدينين جداً، ووالدى كان أكثرهم تديناً وتشدداً، بمعنى أننى نشأت على حب الشخصيات الإسلامية كلها، التى تتمثل فى النبى والصحابة وكذلك فكرة الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية والحكم بما أنزل الله، وكل ملمح فى الدين، كانت طوال الوقت تتردد فى بيوتنا أو فى البيت الذى نشأت فيه، بالإضافة إلى أننى كنت متعبداً يحب العبادة والصلاة وقيام الليل، وعندما قررت أن أدرس شيئاً قررت أن أدرس الدين وأتعلمه.
بدأ الشك فى فترة مبكرة جداً من حياتى، كنت طفلاً، وبدأت أسأل الأسئلة الوجودية العظيمة القديمة الحديثة التى تخطر على بال كل إنسان يسألها لنفسه، سألها نفسه فى الماضى ويسألها نفسه فى الحاضر، ما سر وجودنا؟ ولماذا نحن لسنا متواصلين مع الشخصيات الغيبية الموجودة فى حياتى؟ الله والملائكة! كنت دائماً أعتقد من صغرى أن الأفكار هذه من الشيطان، وأننى لو كان إيمانى قوياً جداً لن أسأل، فلم أكن متعمداً أبداً أن أسأل أحداً عن الشكوك ولا أصرح بها ولا أعترف بها لنفسى، فكانت دائماً مدفونة فى قاع العقل.
تعرفت بالشهرى برهام سنة 2001 عندما رجعت أول مرة من السعودية، وبدأت أحضر كل دروسه، كنت قرأت كتباً فتلفت بالكتابات الخاصة به، بعد ذلك قابلته هو كشخصية ارتحت له وشعرت أنه صادق، وهو من الشخصيات الكبيرة التى أثرت على حياتى، وبقينا قريبين من بعض. كنت دائماً أتعلم أكثر عن الإسلام وعن الفرق وأقرأ فيها وأيضاً أحتك بهم بشكل مباشر، أصبح عندى تشبع بكل شىء عن الدين، أريد أن أفهم كل ما يتعلق بالدين، فوجدت نفسى أمام حقيقة أننى كلما تعلمت نصوصاً أكثر وأتعرف على جماعات أكثر، ازدادت التناقضات أكثر ما بين المصادر الإسلامية والنصوص نفسها، هذه التى جعلتنى أبدأ أتعب من مقاومة الشك، إرهاق نفسى شديد جداً، أن يكون الواحد منا لا يعرف هل يستطيع أن يسيطر على كل الشكوك.
خيرى:
سيدى.. لا أحتاج لإعادة ما قاله أكيد حضرتك رصدت جملاً كثيرة.. هذا هو أحمد.. شخصية لها هذا الامتداد من أسرة متدينة سافر الخليج فى أجزاء لم يذكرها هو فى السعودية، حج أكثر من مرة، كان متبحراً ودرس الدين ثم أصبح مُلحداً، فى هذه الرحلة كيف يتحول الإنسان إلى مُلحد من هذا الطريق؟
الجفرى:
أولاً، أخى أحمد حرقان ليس بصديقك وحدك، هو صديقى أيضاً، وقد جلست إليه جلسة واحدة وإن شاء الله عز وجل أتشرف بالجلوس إليه أكثر من مرة. هذا الشاب أنا أحترمه، وسبب الاحترام أنه اختار أن يكون صادقاً مع نفسه فى اللحظة التى قرر فيها ترك الدين، ترك كثيراً من الأمور التى كانت بالنسبة له صمام أمان لحياته، أو على الأقل توفر له معيشة يستطيع أن يستمر بها، كان خطيباً وإماماً لمسجد، وبالتالى لديه مرتب، ترك هذا وعمل نقاشاً، حتى لا يأخذ مالاً من عمل يخدع به الناس أو يكون على غير الوضع الصحيح فى تعامله مع الناس، فهو صاحب مبدأ.
النقطة الثانية أن هناك إشكاليات منهجية نتعرض لها فى إطار بيت الخطاب الشرعى بمختلف توجهاته، وهو أن بعض المنهجيات الموجودة تبنى استمراريتها ووجودها على محاولة تسكين العقل، رفض التدقيق فى الطرح العقلى، فلهذا يكون عند من لديه استشكالات شعور بالذنب داخلى كما ذكر أخى أحمد قبل قليل، لأنه نشأ من خلال تفكير أو منهجية «لا هذه مناطق حمراء.. لو بدأت تشك فيها أو تفكر فيها فمعنى هذا أنه فتنة وأن عليك عقوبة».
خيرى رمضان:
أحمد حرقان قال إنه كلما ازداد قراءة وجد التناقضات فى التفاسير والمناهج والمدارس الإسلامية المختلفة.. هذه المدارس أو التناقضات هل هى رحمة أم تساعد على التشتت أو تحول أحداً مثل أحمد، الذى درس وقرأ وفى النهاية اختار أن يخرج من الصلاة وبداية شكه كانت بالنبى؟
الحبيب على الجفرى:
هناك نقطتان: الأولى أريد أن أؤكد عليها مرة أخرى، هذا الشاب أحترمه وأحبه لأنى جلست معه جلسة وإن شاء الله ستعقبها جلسات، ربما التبس عليه الأمر لأن المنهج الذى تلقاه أشعره أنه تبحر وفهم المسألة مكتملة بتدقيق، لأنه حفظ القرآن وحفظ ألفى حديث وكان خطيباً جالس علماء، فهو وصل لحالة استشعر فيها أنه فهم الإسلام، وعنده استشكالات عليه، والاستشكالات هذه لم يستطع من جلس معهم أن يردوا عليها، هذه مقدمات، إذن النتيجة أنى لا أؤمن بهذا الذى أمامى، المقدمة الأولى أنك خلاص فهمت هذه تحتاج إلى تأمل، لأنه حصل خلط فى المرحلة المتأخرة فى مفهوم تلقى العلم الشرعى بين الحفظ والفهم، حفظ كثيراً لكن لا أعلم إلى أى مدى تعمق فى الفهم، وبين مطلق الفهم وبين الفهم القائم على منهجية فى هذا الفهم، فهذا جزء من الإشكالية كبير. الجزء الآخر من الإشكالية هو قضية نحن وهم التى تكلمت عنها، طيب أنت رأيك هذا الشيخ الفلانى رأيه كذا، الشيخ الفلانى رأيه كذا. صحيح نحن نعترف أن هذا موجود، وأننا بحاجة أيضاً إلى لحظة سكون نتأمل فيها ونراجع، لكن الشىء المهم فى هذا الأمر ألا نجعل أنفسنا تبرر عدم أخذها الأمر بجد فى البحث والتحقيق، بمبرر أنهم هؤلاء أنفسهم مختلفون. لا يوجد منهج سماوى أو أرضى تفكيرى دينى إلحادى إلا فيه التنوع فى الطرح والاختلاف، القضية تتصل بماذا؟ بنقطتين أختم بهما.
النقطة الأولى: لا بد أن نفرق بين التوسع فى القراءة والحفظ وبين التحقيق العلمى، ليس كل حافظ بعالم، والشباب الذين لديهم التساؤلات يدركون قصدى، منهجية عقلية تعمل فى النص فيُفهم به.
النقطة الثانية: هى رسالة الحلقة التى أود أن أذكرها فى آخر الحلقة، مجتمعنا ينبغى أن يحترم حق الشباب فى أن يتساءلوا، لا أقول احترم حق الشباب فى أن يشكوا، الشك إذا ورد ليس من حق أحد أن يحترمه أو لا يحترمه أصبح حقيقة، حق الشباب أن يتساءلوا وهمسة أخرى فى أذن الشباب، ما دمت فى مرحلة التساؤل يقتضى الصدق والجدية واحترام المبادئ ألا تثير ضجة فيمن حولك لتدعوهم لما وصلت إليه قبل أن تتحقق منه.