فى ستينات القرن الماضى خرجت علينا صحيفة الأهرام بمانشيت أحمر اللون.. لقد نجح الجيش فى إنتاج طائرة أسرع من الصوت مرتين.. وهلل الناس وقتها.
لم يتم إنتاج هذه الطائرة حتى الآن، بل وبعد سنوات قليلة لم يعد هناك طائرات فى مصر من الأساس، فقد تم ضربها بالكامل على الأرض يوم النكسة!
يتميز المجتمع المصرى بعشقه للتهويل، فطالب الفرقة الأولى فى كلية الطب قد أصبح «دكتوراً»، وبدأ الجيران فى سؤاله عن نصائحه العبقرية!
«ما زلت أذكر هذه الأيام السوداء!»
- أنا حاسة بصداع يا ابنى، كده يبقى ضغطى عالى؟
- لسه ماتعلمتش أقيس الضغط يا حاجة!
لقد أعلنت القوات المسلحة عن اكتشاف جديد، هذا جيد، ولكن يبدو أن السيد اللواء قد نسى أن يعلن لنا أنه لا أحد يعلم بالضبط كيف يعمل هذا العلاج!
لقد نسى سيادة اللواء أنه لا يمكن تجريب العلاج الجديد على المرضى دون أن يتم اعتماده!
حتى اختباره على مرضى دون علمهم، بل وتوقيعهم على ما يفيد موافقتهم على التجربة، يعد خرقاً صارخاً لقوانين البحث العلمى.
يمكنك أن تعلن عن فكرة، فالأفكار دائماً متاحة للجميع، ولكن أن تعلن عن أمل لملايين المرضى دون أن يكون هناك سند علمى موثق وأبحاث علمية منشورة، فهذه جريمة!
ومن خلال خبرتى المتواضعة فى مجال البحث العلمى -بصفتى عضواً بهيئة التدريس فى إحدى كليات الطب-ينبغى أن يتضح للجميع أن أى وسيلة للعلاج تمر بثلاث مراحل حتى يتم اعتمادها عالمياً، وتستغرق كل مرحلة عدة سنوات، وهذا يعنى ببساطة أنه إذا تم اكتشاف هذا العلاج بالفعل لكان أطباء القوات المسلحة قد حصلوا على عدد من جوائز نوبل يتجاوز عدد الذين نزلوا فى 30 يونيو لإسقاط مندوب الإخوان.
لم تذكر لنا القوات المسلحة إلى أى مدى وصلت الأبحاث، ولا حتى نسب النجاح أو المضاعفات!
لقد تم تأجيل العمل بالجهاز أو بالأصح دفنه، لأنه لا يصح إلا الصحيح، ولأن المؤسسة العسكرية يبدو أنها كانت أذكى من أن تنزلق إلى هذا المستنقع ثانية، الذى ينبغى أن تتم محاسبة كل من حاول الزج بها فيه، وشارك فى هذه المهزلة خلال الشهور الماضية، واتهامات التطاول على القوات المسلحة التى طالت كثيرين ينبغى أن توجه إلى من استخدم البدلة العسكرية ليمرر للناس وهماً دون دليل.
من حقك أن «تفترض» أن الجميع مغيبون، ولكن ليس من حقك أن تفترض أننا سنكون عند حسن ظنك فى هذا الأمر!
لقد تمت المتاجرة بأحلام الناس ومستقبلهم وثورتهم بل ودينهم أعواماً كاملة، ولم يبقَ سوى المتاجرة بآلامهم ومرضهم للحصول على مجد شخصى للبعض، دون الأخذ فى الاعتبار أن هناك مريضاً ينتظر.
لم يكتشف الجيش علاجاً بعد، وهذا لا يمنع أنه قد يكتشفه بالفعل، بل وأعتقد أنه قد أصبح لزاماً على المؤسسة العسكرية وأطبائها أن يجدوا علاجاً حقيقياً، ولكن بعد أن يستخدم طرق البحث العلمى التى نعرفها جميعاً.
فـ«قمة البؤس أن تعد مريضاً بالشفاء ثم لا يجده»!
لقد هلل الناس، واصطف طابور المرضى متحاملين على آلامهم ينتظرون العلاج، فكلنا نعلم أننا ينبغى أن ندفع ثمن تذكرة السينما كاملة قبل أن نشاهد الفيلم! المشكلة تحدث دوماً، حين ندفع ثمن التذكرة ولا نشاهد شيئاً!