«أنا مع الفاكسين»، «أنا ضد الفاكسين»! هذا هو الجدل الدائر الآن مع بدء ظهور اللقاحات على أرض الواقع، وخروجها إلى النور، تزامناً مع دخول العالم فى موجة ثانية من جائحة فيروس كورونا وتحوره فى بعض الدول، ليصبح أكثر انتشاراً وعدوى. سباق عالمى لأخذ أكبر عدد ممكن من سكان العالم للقاح المضاد لمرض كوفيد-19، غير أن المشكلة التى باتت أكثر تعقيداً وتواجه التطعيم بالفاكسين هى كيفية طمأنة الناس له والثقة به؟ لم يتخيّل أحد أن تكون النظرة للقاحات المضادة لفيروس كورونا على هذا القدر من انعدام الثقة والحذر والتخوف منها لأسباب كثيرة، رغم التطمينات المستمرة من العلماء والباحثين حول طبيعة تلك اللقاحات فى ظل اللغط الشديد، الذى يشكك فى مكوناتها، فضلاً عن دخول «نظرية المؤامرة» على خط المواجهة المحتدمة بين فريقى «الضد» و«المع»، فهل نحن الناس العاديين والبسطاء سنكون ضحايا هذا الانقسام الحاد، وأسرى الجدل المحتدم؟ ونسقط فى أتون حيرة الاختيار، فكلاهما مر!
الشركات العملاقة التى أخذت على عاتقها إنتاج لقاح «الضرورة» فى فترة زمنية قصيرة وغير معهودة فى إنتاج اللقاحات ما موقفها من هذا الجدل الدائر والتشكيك فى لقاحاتها؟ وهل هى على قدر المسئولية الأخلاقية التى وضعتها بين أيديها منظمة الدواء والغذاء الأمريكية «FDA»؟ وكيف ستواجه رفض قطاع كبير من المتشككين فى أخذ اللقاح، والرافضين له خوفاً من الآثار الجانبية التى لم تحسم بعد وما زالت فى دائرة الغموض؟ هذه الشركات دفعت مليارات الدولارات لإنتاج لقاحاتها وتنتظر الأرباح التى ستُدر عليها المليارات أيضاً، فماذا لو خذلها الرافضون وهم كثر؟! ففى استطلاع للرأى فى أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وُجد أن أكثر من 50% من شعوبهم ترفض أخذ اللقاح خوفاً على حياتهم من المجهول، فكيف ستقنع الشركات المنتجة هؤلاء بأخذ اللقاح حتى تهدأ الجائحة ويتم تقويضها فى ظل الانتشار السريع للفيروس الذى يضرب العالم دون هوادة.
فريقا «المع» و«الضد» يستندان إلى العلم والدراسات البحثية المستفيضة التى لم تُحسم بعد، لكن التباين بينهما له منطقه، ولا بد من تأمله وعدم الاستخفاف به؟ ورغم وجاهة حججهما وواقعيتها وموضوعيتها، فإن وجود العالم على شفا هاوية من الانهيار المجتمعى اقتصادياً وصحياً ونفسياً، يجعلنا فى دائرة الخطر، تنطلق نيرانها فى كل الاتجاهات، ونحن نقف وسط النيران محاولين تفاديها، أو الهروب منها، فهل نغرق فى هواجسنا ونعتزل الحياة حماية من القادم المجهول؟ أم ننطلق نحو هذا المجهول، مجازفين بما قد يحدث نصيباً وصدفة؟!.
الآثار الجانبية التى ظهرت على «فاكسين» فايزر، وتوفى على أثرها 6 من المتطوعين، هل تقاس بحجم نجاة الملايين غيرهم؟ الخلاف على مكونات اللقاحات المصنّعة فى شركتى «فايزر» و«موديرنا»، التى اعتمدت تقنية علمية حديثة غير مسبوقة فى صناعة اللقاحات وتركز على «RNA» هى مصدر القلق والمخاوف، رغم سمعة كلتا الشركتين، وأهميتهما فى صناعة الأدوية على مدار عقود؟ فهل تجازف هاتان الشركتان بسمعتيهما مقابل حصد المزيد من الأموال على حساب حياة البشر؟ منظمة «FDA» الأمريكية التى اعتمدت استخدام اللقاحين مشهود لها بالدقة والثقة والصرامة العلمية التى لا يمكن معها خداع الناس أو تعريضهم لخطر المجازفة دون النظر إلى النتائج الموثوقة، صحيح أن أى لقاح حتى يكتسب المصداقية لا بد أن يأخذ حقه من التجارب فى مراحلها الكاملة التى تمتد من عام ونصف إلى عامين على أقل تقدير، لكن الجائحة فرضت نفسها بالقفز على الفترة الزمنية لمراحل الاختبار، واختصار وقت التجارب السريرية فى ظروفها العادية، نظراً للضرر الكبير الذى ضرب عصب العالم كله، وأثر على حياة البشر نفسياً قبل أن يكون اقتصادياً، فيما يستمر العزل المنزلى والحجر الصحى والتباعد الاجتماعى واختفاء أبسط قواعد الحياة التى أساسها الحرية، بشكل لا يمكن أن يتحمله البشر لسنوات، لذا أطلق على تلك اللقاحات «لقاحات الضرورة»، والتى كانت فى سباق مع الزمن، وهذا لا يعنى تجاهل المراحل المختصرة فى اختبار اللقاحات، فهى مستمرة بالتوازى مع المراحل التى تليها، أملاً فى إنقاذ أكبر عدد من الأرواح التى تتساقط يومياً متأثرة بالفيروس، وبأرقام مخيفة، بينما أعداد الإصابات تتزايد بشكل مرعب!.
السؤال الذى يتردد على ألسنة الناس وبعد انتظار قلق للانفراجة، باكتشاف لقاحات تنقذ البشرية من وباء لم يكن فى الحسبان، ومع الجدل الدائر وانعدام الثقة لدى قطاع كبير من الرافضين، هل نغامر ونأخذ اللقاح ونجازف باحتمالات ظهور آثاره الجانبية؟ أم نكتفى ببروتوكولات العلاج التى أصبحت أكثر تطوراً ودراية بالتعامل مع المرض؟ أم ننتظر، وفى الانتظار موت بطىء؟ علينا الاختيار.