بمناسبة التقارير المضروبة للمنظمات الحقوقية المشبوهة، سواء كانت محلية أو دولية، تذكرت ما شهدته وعايشته بنفسى منذ ٣٠ عاماً.
كانت تجربتى الصحفية الأولى فى تغطية الانتخابات البرلمانية عام ١٩٩٠، وخلال متابعتى لدائرة قسم حدائق القبة بشرق القاهرة، وقعت مشادة كلامية بينى وبين أحد رجال الشرطة على أبواب إحدى اللجان الانتخابية، وتطورت المشادة الكلامية إلى تشابك بالأيدى -وتبادل السباب- مع رئيس مباحث القسم الذى أمر رجاله باقتيادى إلى مكتبه، متوعداً بتأديبى بسبب ما اعتبره تجرؤاً منى عليه، واهتزاز هيبته أمام المواطنين.
فى قسم الشرطة احتجزونى فى غرفة عادية، وبعد تفاصيل لا داعى لذكرها، استطعت الهرب، وقام الراحل الأستاذ عبدالعال الباقورى، رئيس تحرير جريدة الأهالى -آنذاك- بإبلاغ وزارة الداخلية بالواقعة، وتم نشرها بالجريدة. من ناحيتى، اعتبرت أن الموضوع انتهى إلى هذا الحد، لكننى فوجئت باتصال تليفونى من أحد المحامين التابعين لمركز حقوقى حديث النشأة يرفع شعار المساعدة القانونية، دفاعاً عن حقوق الإنسان، وأبلغنى بتطوع المركز لمساعدتى فى تقديم بلاغ للنيابة بالواقعة، الحقيقة فرحت بهذه الخدمة المجانية، وأمام وكيل النيابة كان المحامى يسارع بالرد على الأسئلة الموجّهة لى قبل أن أنطق بحرف واحد، تعمّد المبالغة فى اختلاق ما لم يحدث، ومما ذكره إنه تم اقتيادى لقسم الشرطة مكبلاً بحبل، كما ادّعى الاعتداء علىّ بوحشية هناك، وتفتيشى وسلب ما أملكه من نقود خلال التفتيش، وبالطبع نفيت كل ما قاله، ورويت ما حدث تماماً، كما ذكرت فى بداية المقال.
بمجرد خروجنا من مكتب وكيل النيابة، انفعل المحامى (المتطوع)، ولامنى على تكذيبه خلال التحقيق، وتركنى قائلاً «كده مش هتاخد حقك من الضابط، وكان لازم توافقنى على اللى قلته علشان نلبّسه قضية معتبرة، عموماً شوف لك محامى بفلوس يقول اللى انت عايزه»، وتركنى وانصرف غاضباً. اعتبرت ما حدث مجرد تجربة، وبالمصادفة بعد حوالى شهرين أبلغنى أحد العاملين بالمركز الحقوقى أن «اسمى منور» فى التقرير السنوى الذى يجرى إعداده بنشاط المركز خلال العام، وجاء به -فى ما يخصنى- كل ما اختلقه المحامى (المتطوع) وكذبته أمام وكيل النيابة، وعبر أصدقاء أبلغت أحد القائمين على المركز -وهو بالمناسبة قيادى مهم الآن بمنظمة «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»- بأننى سأفضحهم إذا صدر تقريرهم متضمناً اسمى والواقعة التى تخصنى، وسأكذبهم بذكر حقيقة ما حدث تماماً، بعيداً عما اختلقوه من وحى خيال محاميهم المتطوع، وبالفعل صدر تقريرهم خالياً من تلك الواقعة، ومتضمّناً وقائع عديدة لآخرين يعلم الله مدى دقتها وما تحتويه من مبالغات.
هكذا فقد هذا المركز مصداقيته لدىّ منذ بداياته الأولى، وبالقياس لم أعد أصدق غيره من المراكز الحقوقية التى نشأت بعد ذلك، خاصة أن معظمها خرج من رحم هذا المركز، على أيدى من عملوا به وانشقوا عنه بعد أن عرفوا من أين تؤكل الكتف، وتعرّفوا على مصادر التمويل الخارجى. فى نهايات عام ٢٠١٤ أصدر أحد المراكز الحقوقية الذى أسسه أحد هؤلاء المنشقين فى طبعة فاخرة تكشف سخاء الممول، تقريراً بعنوان «أوضاع السجناء فى السجون المصرية خلال الفترة من ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٤ -أى خلال العام التالى لثورة الشعب المصرى على حكم جماعة الإخوان الإرهابية- وركز التقرير على أوضاع الإرهابيين المقبوض عليهم رهن المحاكمات، مدّعياً تعرّضهم لأشد أنواع التعذيب، وهو ما تناقض تماماً مع ظهورهم بصحة وعافية خلال جلسات محاكماتهم العلنية. صاحب هذا التقرير قال فى تحقيق معه حول مصادر ثروته، إن رصيد طفلته بالبنوك الذى يتجاوز ١٠ ملايين جنيه، من ناتج مصروفها اليومى!
هذه المراكز الممولة هى التى تمد أعداء مصر فى الخارج بالمادة الأساسية لتقاريرهم المشبوهة، ومن بينها منظمة العفو الدولية التى تطلق على الإرهابيين -من قبيل الدلع- صفة المتهمين بالعنف السياسى!
الواضح أن هذه المراكز المشبوهة التى يصل ما تقوم به إلى درجة العمالة، تسلمت طبعات جديدة من الخارج من «كتالوج» حقوق الإنسان، وإديها فلوس كويسة تديك تقارير مضروبة.
آه يا أولاد الـ... والّا بلاش.