اللواء عزة الجمل.. حكاية أول سيدة تتولى منصب مساعد وزير الداخلية
زوجي مهندس ودعمني كثيرا وأشعر أنني جزء من أسرة كل ضابط
اللواء طبيب عزة الجمل
في عام 1983، تخرجت من كلية طب عين شمس، كانت شابة واعدة، مشهود لها بالتفوق العلمي، نشأت في أسرة ليس بين أفرادها شرطيا واحدا، إلا أن عزة الجمل خالفت التوقعات، واتخذت مسارا آخر مع حلول عام 1984، عندما قررت الالتحاق بثالث دفعة من الضباط المتخصصين بكلية الشرطة.
حددت عزة، هدفها بوضوح، وهو ممارسة عملها كطبيبة داخل هيئة الشرطة، حلم مشروع، ورحلة كفاح على مدار نحو 28 عاما، لم تكن تتخيل طبيبة الأطفال في بدايتها أن تكون أول ضابطة تحصل على رتبة لواء في تاريخ وزارة الداخلية، وأول ضابطة تحصل على درجة مساعد لوزير الداخلية.
الحرية مسئولية والاختبار صعب
«خضت التحدى الأصعب في حياتى، أنا بصيت للموضوع بشكل تانى، لما اتخرجت قعدت أفكر، ليه لأ، ليه مشتغلش طبيبة وأمارس المهنة اللى بحبها في هيئة الشرطة»، تقول اللواء طبيب عزة الجمل مساعد وزير الداخلية الأسبق لـ«الوطن»، مسترجعة ذكريات بداية تفكيرها في الالتحاق بكلية الشرطة بقسم الضباط المتخصصين، إذ لم يعترض أحد من أسرتها، وتركوا لها حرية الاختيار.
الحرية في حد ذاتها كانت مسئولية، تعلم الطبيبة الشابة قدرها تماما، وتدرك أن لا سبيل أمامها إلا النجاح وإثبات الذات: «كنت في تحد مع نفسى، وكان التحدى الأصعب في حياتى، أني أسعى لأبرهن صحة رؤيتي وجدارتي في الاختيار، بعدما خالفت توقعات الجميع، ولم أتجه للعمل كطبيبة مدنية متخصصة في طب الأطفال».
داخل كلية الشرطة
تدربت «عزة» على الرماية والفروسية وفنون الدفاع عن النفس، ثم تقدمت لاختبارات كلية الشرطة، واجتازتها بدون أى وساطة، لتقضى داخلها سنة دراسية كاملة، تضحك اللواء، وتحكي ذكريات الأيام الأولى في الكلية: «كنا نتدرب مثل الضباط، تدريبات لياقة بدنية، ورماية، ودفاع عن النفس وفروسية».
تأقلمت الطبيبة على طبيعة الحياة الشرطية، إذ كانت تتميز منذ طفولتها، بالانضباط والالتزام، ما ساعدها على التفوق الدراسة في الثانوية العامة، والحصول على مجموع 96.5%، أهلها لدخول كلية الطب بعين شمس، وامتدت تلك الصفات معها، لتصبح أول دفعتها في قسم الضباط المتخصصين بكلية الشرطة.
3 كلمات سر النجاح
«أنا بطبيعتى ملتزمة جدا، وأعشق الانضباط في كل أمور الحياة»، تقول اللواء عزة، إن هذه السمات الشخصية دفعتها في الأساس، إلى الالتحاق بكلية الشرطة: «كانت حاجة ممكن تكون غريبة، ممكن جديدة، بس أنا كنت عاوزة كده، كنت حاسة نفسى هانجح في المكان ده».
انضباط وكفاءة والتزام، شعار اتخذته اللواء عزة، عنوانا لها، وكلل مسيرتها بالنجاح بسرعة لم تتخيلها، إذ حصلت في عام 1986 على نوط الامتياز من رئيس الجمهورية، وكانت أول ضابط تحصل على هذا النوط، أثناء عملها كطبيبية أطفال في مستشفى العجوزة.
تضيف: «قضيت أول 5 سنين من شغلى ضابط طبيب أطفال في مستشفى الشرطة بالعجوزة، كنت بعالج أبناء الضباط، وكنت حاسة بمسئولية كبيرة، مش بس إن دول أطفال مرضى، كنت بتعامل معاهم كأنهم ولادى، كنت أشعر بأننى جزء من أسرة كل ضابط شرطة».
زوجة وأم ناجحة
مشوار طويل من العمل والكفاح، لكن لم يشكل عائقا لدى اللواء عزة في القيام بمسئولياتها تجاه أسرتها، رغم أنه في بعض الأحيان قد يسبب مثل هذا العمل مشاكل أسرية للمرأة: «زوجى مهندس معمارى، وكان متفهما جدا لطبيعة عملى، بل ويشجعنى، ومن ناحيتى لم أقصر في شىء، كانت كل الأمور في حياتنا تسير على ما يرام وبشكل مرضى للجميع، بخلاف ان زوجى ظل داعما لى خلال رحلتى».
لم تتأثر حياة اللواء عزة، الأسرية بعملها، ولم يتأثر عملها بحياتها الأسرية، إذ تمكنت من العبو بأسرتها إلى بر الأمان، ولديها حاليا ابنتان الأولى طبيبة أسنان، والثانية حاصلة مهندسة حاسبات.
أول سيدة تعين مساعدا لوزير الداخلية
انتقلت اللواء عزة، إلى مستشفى الشرطة بمدينة نصر، التى عملت بها لمدة 14 عاما، وتدرجت خلالها في المناصب حتى وصلت الى منصب مدير إدارة المستشفيات بدرجة مساعد وزير، بعد حصولها على رتبة اللواء: «قديمًا كانت تتدرج السيدة فى المناصب، وما أن تصل لرتبة لواء تخرج إلى المعاش، إلا أننى حصلت على هذه الرتبة فى 2013 مع استمرارى في العمل بالوزارة، حتى حصلت على منصب مدير الإدارة العامة لشؤون المستشفيات بقطاع الخدمات الطبية بدرجة مساعد وزير».
خلال تلك السنوات حصلت اللواء عزة على نوط الامتياز من رئيس الجمهورية مرتين، الأولى لتفوقها في كلية الشرطة، والثانية فى 2008، بعد إنشاء وحدة لعلاج الأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة من أبناء رجال الشرطة: «كنت أشعر أنه كان لزامًا علينا علاج أطفال رجال الشرطة الذين يقدمون أرواحهم من أجل هذا الوطن».
تكمل: «لم يتوقف العلاج على أبناء رجال الشرطة، إذ كانت هذه الوحدة تقدم الخدمات للمواطنين المدنيين أيضًا، ولاقت كل استحسان، فتم منحى نوط الامتياز، ثم حققت عدة نجاحات أخرى عندما كنت مسئولة عن إدارة الجودة في مستشفيات الشرطة».
صاحبة رسالة وترفض الفشل
على مدار سنوات عملها في هيئة الشرطة، لم تخش اللواء عزة، شيئا أكثر من الفشل: «طوال فترة خدمتى كنت أسعى للنجاح، الفشل يعنى أن أحكم على الضابطات الأخريات بالفشل، لأننى قدوة لهن، وكانت لدى رسالة خلال عملى في هيئة الشرطة، وهي نقل خبرتى للأجيال التالية من الضابطات، وتشجيعهن على البذل والعطاء حتى ننشئ أجيالا متعاقبة من الضابطات الناجحات، وهو ما تحقق على بالفعل».