بالقوة تم فض اعتصام طلاب وأعضاء هيئة التدريس بجامعة النيل الذين يريدون استرداد جامعتهم، كما تحرش الأمن باعتصام معلمى المدارس أمام مجلس الوزراء، وقبلها بساعات تم فض الاحتجاجات والتظاهرات حول السفارة الأمريكية بالقوة، وهو الأمر الذى يعنى أن وزارة الداخلية سنّت - من جديد- عصا القهر، وعادت لتضرب وتسحل، تماماً مثلما كانت تفعل فى عهد «المخلوع». ويبدو أن الرئيس محمد مرسى أصبح يعيش الآن حلم العودة إلى عصر ما قبل ثورة يناير 2011!
أقول الرئيس مرسى لأنه فى نظرى يتحمل المسئولية كاملة عن عودة عصا الشرطة إلى ضرب وإهانة من يحتج أو يخرج مطالباً بحق. وقد ذكر وزير التنمية المحلية «أحمد زكى عابدين» فى تصريح له أن الوزراء ليس لهم من الأمر شىء، وإنما هم «جمّيعة معلومات»، وأن مرسى هو صاحب القرار، تماما مثلما أعلن «أحمد أبوالغيط» وزير الخارجية الأسبق -ذات يوم- أن دوره لا يعدو السكرتير، وأن رسم السياسة الخارجية، والأولى منها السياسة الداخلية، من صميم مسئولية رئيس الدولة. إذن الرئيس «مرسى» هو الذى أعطى الداخلية تصريحاً بسحق الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات، إذ لم يجد وسيلة أرخص ولا أسرع من ذلك للتغلب على المطالب التى لا تنتهى لفئات الشعب المختلفة. وكان شأنه فى ذلك شأن الأب العاجز أمام الوفاء باحتياجات أولاده الذين يعلو صوتهم بالصراخ والمطالبة، فلا يكون أمامه سوى ضربهم «عشان يتهدّوا ويناموا»!
والمشكلة أن صوتاً ينام وينطفئ، ليعلو صوت آخر وينفجر. فقد فضّ الدكتور محمد مرسى عدداً من الاعتصامات فى أماكن مختلفة، لكن ذلك لا يعنى بحال أن الفئات التى تعانى مرار المعيشة سوف تسكت وتخمد. فالتعامل مع مشكلات الناس لا بد أن يكون بعرض خطة محددة للحل، تتضمن تحديد مواعيد قاطعة ودقيقة للاستجابة لمطالبهم، أما الضرب والفض والمطاردة فى الشوراع فهو أسلوب الأنظمة التى لا تريد أن تحل، بل ترغب فى مجرد الاحتفاظ بالسلطة، بلا جهد حقيقى فى النهضة بأحوال ومعايش الناس. هذا النوع من الأنظمة لا يفهم أن الثورة قضت على فكرة أن السلطة مصدر للوجاهة والنفوذ والسيطرة وفرض القرارات. هذا الزمان ولى بلا رجعة. قل الزمان ارجع يا زمان!
إن الذين يشيرون على الرئيس بهذا الأسلوب، أو تلك الطريقة فى التعامل مع هذه الاحتجاجات، يخدعونه، حتى لو دغدغوا حلمه بالعودة إلى «قديمه»، أى عهد ما قبل الثورة، ليكون الحكم أبهة وفخفخة، وجنيا للنفوذ والأموال والثمرات، ذلك عين الوهم، واسأل العليل ومتسألش التحاليل، والمواطن المعلول لن يسكت حتى ولو دقّوا فوق نافوخه بالحديد.. وكان غيره أشطر!