أين تتجه أنظار المستثمرين في 2021؟
التكنولوجيا تقود النمو في العام الجديد
لم تكن 2020 مثل أى سنة أخرى، حيث سيطر فيروس كورونا على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكافة الدول، وسبب أزمة وصفت بأنها الأكثر إيلاماً خلال القرن الأخير، حيث تناهز أضرارها ما حدث فى الأزمة المالية العالمية 2008 والكساد الكبير فى ثلاثينات القرن الماضى، كما أدى الإغلاق العالمى خلال الموجة الأولى من الجائحة إلى واحد من أقوى الانكماشات اقتصادياً فى التاريخ الحديث، ورغم تعافى معظم الاقتصادات خلال الشهور الأخيرة من 2020، فإن الموجة الثانية من COVID-19 أعادت الدول إلى التحفظ والإغلاق مرة ثانية. ولن تهدأ الشكوك الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا فجأة مع نهاية عام 2020، خاصة فى ظل ظهور السلالة الجديدة للفيروس، التى يبدو أنها أكثر قابلية للانتقال بنسبة تصل إلى 70% عن السلالة الأولى، إلا أن هذه التوقعات لن تُثنى العالم عن محاولة العودة إلى طبيعته، كما أنه من منظور الاستثمار، يمكن أن يقدم 2021 تغييراً مرحباً به فى ظل العودة إلى الوضع الطبيعى.
لذا استطلعت «الوطن الاقتصادى»، آراء خبراء ومحللين اقتصاديين حول توقعاتهم لتوجهات المستثمرين فى عام 2021، حيث أظهر الاستطلاع تصدر قطاع التكنولوجيا توقعات المحللين من حيث التدفقات الاستثمارية المتوقعة للعام المقبل، يليه قطاع الرعاية الصحية، إلى جانب بعض القطاعات التى شهدت تضرراً كبيراً جراء انتشار الجائحة وعلى رأسها قطاعات الطيران والسياحة والضيافة.
الاستثمارات ذات العائد الأعلى
وقال أيمن أبوهند، خبير الاستثمار، والمؤسس ومدير الاستثمار بشركة «أدفايزبول هولدينج»، إن توجهات المستثمرين فى 2021 ستكون للعائد الأعلى خاصة بعد تخفيض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالى الأمريكى والبنوك المركزية فى أغلب دول العالم، إلى جانب توجهها إلى الدول التى تشهد استقراراً فى تأثيرات كوفيد 19. وحول نوعية الاستثمار، قال إن العالم شهد زيادة فى الاستثمارات العامة والاستثمارات الخاصة المدرجة فى البورصة بنحو 20-25%، مشيراً إلى أن السندات جذبت نحو 9 تريليونات دولار خلال 2020، وهو ما يشير إلى اندفاع المستثمرين وتوجههم إلى الاستثمارات ذات العائد الأعلى فى أى مكان فى العالم. وبالإشارة إلى توجهات المستثمرين وفقاً للمنطقة الجغرافية، أوضح أن آسيا ستحصد نصيب الأسد من هذه الاستثمارات، حيث إن معدلات النمو بها عالية ومعدلات الإصابة بفيروس كورونا أقل، كما أنها تتيح فرصاً كبيرة فى أنواع أصول مختلفة تتضمن السندات والأسهم والمشاريع لخاصة، تليها أفريقيا والشرق الأوسط.
التكنولوجيا تقود النمو فى العام الجديد.. والرعاية الصحية والسياحة والطيران والطاقة المتجددة أبرز الوجهات الاستثمارية
التكنولوجيا «الرهان الرابح»
وفيما يخص القطاعات الأكثر جذباً للاستثمار فى 2021، قال «أبوهند» إن قطاع التكنولوجيا على رأس القطاعات الجاذبة للمستثمرين فى العام الجديد، خاصة بعدما غيرت أزمة كورونا طريقة ممارسة الأعمال، التى أصبحت أكثر اعتماداً على التقنيات الحديثة فى إدارة الأعمال والأنشطة من بُعد، يليه قطاع الصحة فى ظل تفشى كوفيد-19، ثم القطاعات التى تضررت من الفيروس بشكل مؤقت والتى من المتوقع عودتها فى أى وقت مثل قطاعات الطيران والفنادق والنقل. وأشار إلى أن نظرة المستثمرين للشركات العاملة فى القطاعات المتضررة من كوفيد-19 تعتمد على سببين، هما عودة هذه القطاعات إلى العمل مرة أخرى وارتفاع قيمة السهم بعد شرائه بسعر رخيص، أو حدوث اندماجات واستحواذات على هذه الشركات المتعثرة بقيمة أعلى. ولفت إلى أنه مع تولى الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن مقاليد الحكم والدعم الفيدرالى للطاقة النظيفة والتقليل من انبعاثات الكربون فإن الكثير من الاستثمارات ستتجه إلى الطاقة المتجددة، والتخلص من أسهم شركات الطاقة التقليدية. واستبعد إقبال المستثمرين على قطاع العقارات فى العام الجديد، متوقعاً أن يسير السوق بشكل عرضى سواء الخاص أو المكتتب حتى نهاية 2021، وذلك بسبب زيادة العرض وتخوف الطلب، بالإضافة إلى ضعف القوة الشرائية للأفراد فى ظل انتشار الوباء.
أيمن أبوهند: المستثمرون سيبحثون عن العائد الأعلى
وبسؤاله عن توقعاته للقطاع المصرفى خلال العام الجديد، لفت إلى أن القطاع سيختلف من منطقة لأخرى، حيث إن القطاع المصرفى الأمريكى ما زال متماسكاً ومدعوماً من الحكومة الأمريكية، خاصة فى ظل حزم التحفيز التى تقدمها الأخيرة، بينما يظل القطاع المصرفى الأوروبى تحت ضغط كبير بسبب أسعار الفائدة السلبية، مما يساهم فى سحب المودعين لأموالهم، بالإضافة إلى ارتفاع مخصصات الديون المشكوك فى تحصيلها، مما يؤدى إلى تآكل الأرباح بصورة كبيرة. فيما توقع المهندس طارق شكرى، رئيس مجلس إدارة مجموعة عربية القابضة، ورئيس غرفة التطوير العقارى باتحاد الصناعات المصرية، أن أبرز القطاعات التى ستشهد إقبالاً كبيراً خلال 2021 تتمثل فى قطاع الرعاية الصحية، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، العقارات على الترتيب.
طارق شكرى: «العقارات» أحد أبرز القطاعات الجاذبة فى 2021
ولفت إلى أن العام الجديد سيكون جيداً للغاية بالنسبة لقطاع العقارات، حيث إن قطاع العقارات تلقى صدمة كورونا خلال الفترة من مارس حتى يونيو 2020 مما نتج عنه ضعف الطلب على العقار، مشيراً إلى أن النصف الثانى من العام شهد حجم مبيعات كبيراً فى كافة الشركات العاملة فى القطاع، مما يؤكد أن حدوث أزمة فى القطاع تقتصر على تأجيل الطلب وليس إلغاءه. وأشار إلى أن مرونة المطورين العقاريين فى توفير مساحات تتناسب مع القدرات الشرائية للأفراد فى ظل الجائحة، بالإضافة إلى توفير العديد من طرق الدفع، يبشران بعام متفائل على القطاع العقارى فى مصر. وأضاف أن سياسة الإنفاق التى اتبعتها الدولة منذ بداية انتشار الوباء والمتمثلة فى تخصيص 100 مليار جنيه، التى أنفقت الدولة منها نحو 65 مليار جنيه، مما يعنى أن الدولة خصصت ما يفوق الإنفاق الحقيقى، إلى جانب السياسة التوسعية التى اتبعها البنك المركزى على مدار الشهور الماضية، كلها عوامل ساهمت فى خلق توازن وتحسن فى الاقتصاد المصرى. وتوقع أن يستمر البنك المركزى فى السياسة التوسعية وتخفيض أسعار الفائدة خلال عام 2021، مما ينعكس على زيادة الاقتراض من قبل المستثمرين فى قطاعات الصناعة والسياحة والعقارات، وبالتالى خلق مزيد من فرص العمل والتشغيل.
محمد أبوباشا: نجاح «فورى» دفع المستثمرين نحو المدفوعات الإلكترونية
الخدمات المالية غير المصرفية
وعلى المستوى المحلى، قال محمد أبوباشا محلل الاقتصاد الكلى بالمجموعة المالية هيرمس، إن توجهات الحكومة نحو دعم الشمول المالى والتحول الرقمى فى مصر تدفع المستثمرين إلى التوجه نحو القطاع التكنولوجى، خاصة فى ظل الطفرة التى حققتها شركة فورى خلال 2020، إلى جانب قطاعات الخدمات المالية غير البنكية وعلى رأسها التأمين والتمويل الاستهلاكى، ومن المتوقع أن يجذبا استثمارات كبيرة خلال العام الجديد. وأشار إلى أن قطاع الرعاية الصحية سيظل محط اهتمام من قبل المستثمرين، مشيراً إلى أن القطاع فى حاجة لمزيد من الاستثمارات، خاصة فى ظل تطبيق قانون التأمين الصحى الشامل فى العديد من المحافظات، بالإضافة إلى التوجه نحو القطاعات المتعلقة بالسلع الغذائية وغيرها، خاصة فى ظل ارتفاع أسعار السلع العالمية وضعف الدولار والتعافى المتوقع فى الاقتصاد. وأضاف أن القطاعات الخدمية المتضررة بقوة من الأزمة ستعود تدريجياً مع التعافى الاقتصادى المتوقع خلال العام الجديد، مستدلاً بارتفاع سهم أوراسكوم للتنمية مصر عقب الإعلان عن لقاح فيروس كورونا. وتوقع «أبوباشا» أن تشهد سوق المال المصرية أداءً جيداً خلال 2021، خاصة فى ظل الأداء المتدنى للبورصة المصرية خلال 2020 مقارنة بأسواق المنطقة، التى شهدت تعافياً بعد الانتخابات الأمريكية واكتشاف اللقاح، وهو ما يجعل هناك فرصاً كبيرة أمام السوق المصرية للتعافى خاصة مع ضعف الدولار وتوجه الأموال نحو الأسواق الناشئة، وهو ما يتطلب أيضاً مساندة ودعماً من الحكومة سواء من خلال طرح شركات جديدة أو ضخ سيولة.
من جانبها قالت ميران العوضى، مدير الاستثمار بميداف لإدارة الأصول، إن القطاعات التى قد تشهد إقبالاً من قبل المستثمرين فى 2021 على مستوى العالم، يأتى على رأسها قطاع التكنولوجيا، يليه قطاعات الطيران والسياحة، خاصة مع إعادة فتح الحدود واستئناف نشاط الرحلات عند توزيع لقاحات فعالة لفيروس كورونا. وأضافت أن الشركات أيقنت فى عام 2020 أنها قادرة على الاستمرار فى ممارسة أنشطتها التجارية دون الحاجة إلى طوابير من الموظفين فى المكاتب عبر اعتماد العمل من بعد، ما يجعل الاعتماد أكبر على التكنولوجيا والمدفوعات الإلكترونية والحوسبة والخدمات السحابية فى المرحلة المقبلة. ولفتت إلى أن المستثمرين سيتجهون أيضاً إلى الرعاية الصحية باعتباره قطاعاً استراتيجياً، خاصة بعد اكتشاف الفجوة فى القطاع عقب الأزمة الراهنة حتى فى البلدان الأكثر تقدماً فى مجال الرعاية الصحية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، مما سيدفع الحكومات فى العالم إلى تشجيع المستثمرين على ضخ استثماراتهم فى هذا القطاع المهم، وذلك من خلال تقديم الإعفاءات الضريبية للأجانب أو عبر زيادة حصة هذه القطاعات فى موازناتها العامة.