الهوية هى أهم ما لدى الشعوب.. والهوية مفردات وثقافة وطريقة تفكير.
صحيح التكنولوجيا مهمة، لكن إساءة استخدام التكنولوجيا دمرت هويات شعوب مختلفة. وضمن حروب الهوية تظهر الصواريخ الموجهة للغة. ولو تعرضت اللغة القومية للخطر.. فالشعوب فى خطر.
ونحن فى خطر لأن العربية فى خطر، والدليل ما سموه على مواقع التواصل بـ«الفرانكو أراب».. وهو كلام عربى بحروف لاتينية.
الفرانكو أراب موضة.. وكثير من الموضات لعب بالنار. لكن بين أبناء طبقة أغنياء جُدُد سيطرت قناعة بأن الكلام بالعربية «موضة قديمة».. وأنه كلما زادت التعبيرات الأوروبية فى الحديث، كانت دلالة على الرقى القيمى.. والمستوى الاجتماعى.
ولأن اللغة هوية، فهى كثيراً ما تكون سبب مشاكل.. وسوء فهم. مثلاً: فى مصر (العياط) من البكاء.. بينما فى لبنان وسوريا العياط نداء على أحدهم!
وفى مصر الحسّاس هو لطيف المشاعر، لكن فى المغرب الحساس شتيمة.. ولفظ بشع.
وحكى الرائع الراحل محمود عوض أن الحسن الثانى ملك المغرب أثنى على صوت فريد الأطرش بعد إحدى حفلاته.. وصافحه، فشكره الأطرش قائلاً: جلالتك حسّاس جداً. واتكهرب الجو.. لأن اللفظ جارح.
وفى الدارجة السعودية (التقبيل) يعنى إيجار مكان.. بينما التقبيل عندنا يعنى: البوسة. ولو قلت لمصرى: عاوز شقة تقبيل.. تبقى قلة أدب.. وصفاقة!
و(اتنشلت) بالعراقية الدارجة يعنى أصابنى البرد. وفى تونس لا يُتصور أن تجد شخصاً ولا عائلة اسمها الزامل.. فالزامل فى تونس مثل حسّاس فى المغرب.. والراجل الراجل لا هو حسّاس ولا زامل!
فى تونس أيضاً كلمة الطابور لها لفظ لو نطقته فى مصر يعنى خناقة بالضرورة، وفى تونس لو دخلت مطعماً وطلبت من الجرسون «طحينة» فأنت الجانى على نفسك.. لأن الكلمة هناك معناها فى غاية القذارة!
الاختلافات فى اللغة اختلاف فى طريقة التفكير، ومن طبيعة الأزمات الاجتماعية أنها تغير اللغة وتلخبط المفردات.. لأن مناهج التفكير اختلفت.
فى الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، عندما ازدحمت الشوارع بالمهاجرين من الكاريبى وجامايكا تغيرت مفردات الموسيقى.. وطريقة الرقص. وقتها ظهر الراب، والبريك دانس، وظهرت أيضاً ملابس غريبة ارتداها حملة الكاسيتات الذين وقفوا على النواصى يرقصون ويتنططون.
تنطط الأمريكان فى الشوارع رقصاً.. وتنططت حكوماتهم على خريطة العالم بمحاولات مستمرة للسيطرة بالسلاح وبالثقافة.
نجحت أمريكا إلى حد كبير فى السيطرة الثقافية، واستطاع الغرب بالموسيقى والسينما، وبسلاسل محلات البيتزا والبرجر، فرض أفكار بأنهم أفضل الشعوب.. وأنهم الأرقى.. وأن لغتهم هى الأوفى والأكثر تحضراً.
كلها مفاهيم مزورة مزيفة، لكنها رشقت كسهام فى أذهان كثيرين فى مجتمعاتنا.. نجحت أمريكا عن طريقهم فى نقل ثقافتها.. بالفرانكو أراب على الفيس بوك.
ثورة التكنولوجيا حققت مكاسب كبرى على الأرض بعد الثورة الصناعية فى السنوات الأخيرة، لكن فى المائة عام المقبلة المعارك اجتماعية.. بمحاولات الهيمنة على سلوكيات وثقافات الشعوب.
والتمسك بالهوية هو الحل.. والهوية مفردات.. ولغة.. وطريقة تفكير.