من وسط الأكواخ الخشبية: بشر يحلمون بـ«الحياة»
وقفت وسط كوخها الخشبى المفتوح نحو السماء، نادت على أفراد عائلتها من السيدات، اجتمع ثلاث منهن بالإضافة إلى الوالدة، فيما تحلق حولهن قرابة 20 طفلاً هم مجموع أطفال عائلة أبوشنب الأتمن، لمتابعة نتيجة الانتخابات الرئاسية والجميع على أمل بفوز المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا للجمهورية، أملاً فى تحقيق مطلبهم الذى ظلوا يبحثون عنه منذ عقود مضت، وهو الحصول على أوراق ثبوتية تفيد بأنهم مواطنون مصريون.[SecondImage]
انتهى المؤتمر ليصيح الجميع فرحاً بفوز المشير الذى تقدموا إليه بطلب الحصول على الجنسية أثناء توجه وفد منهم إلى القاهرة لتقديم مطالب مدينتهم الحدودية، ليعود النساء أدراجهن إلى الكوخ الخشبى فى منطقة «العالى»، بعد انتهائهن من مشاهدة المؤتمر عند جيرانهن، يسبقهن أطفال فى سن الزهور لا يتعدى أكبرهم السنوات السبع، بعضهم حمل العلَم المصرى الذى أخذ يقلبه بين كفيه يميناً ويساراً، ويرفعه فى عنان كوخه الخشبى وهو يجرى مرددا: «تحيا مصر»، بينما أمسكت طفلة لم تتجاوز السنوات الثلاث صورة المشير السيسى، تضعها فى فمها تارة وتارة فوق رأسها لكى تحميها من حرارة الشمس التى أطلقت أسهمها النارية فوق الرؤوس كعادتها ظهيرة كل يوم.
عائلة حسن أبوشنب الأتمن واحدة من بين مئات العائلات التى تنتمى إلى قبيلة الأتمن، لا يحملون أى أوراق ثبوتية تفيد بأنهم مصريون وأنهم وُلدوا وتربوا على هذه الأرض منذ عقود، ورغم امتداد قبيلتهم إلى منطقة شرق السودان فإنهم لا يعرفون وطناً لهم سوى شلاتين، التى يقرون بمصريتها ويعتزون بجيش مصر حامى وحارس الحدود، حسب قول «أبوشنب»، الرجل الستينى الذى يجلس هو وأولاده فى منطقة العالى داخل مجموعة من الأكواخ الخشبية المتجاورة.
يشير الرجل إلى أحفاده المتحلقين حوله، ينظر بعينيه السوداوين إلى حفيده الأكبر الذى فاز بعلم مصر أثناء متابعته لنتائج الانتخابات ، قائلاً إن حفيده محروم من الذهاب إلى المدرسة، وبالتالى من أداء نشيده الوطنى الذى طالما حفظه بينما لا يجد مكاناً لترديده سوى الكوخ الخشبى المتهالك بسبب عدم حصوله على أوراق هوية تفيد بأنه مواطن مصرى ولد على أراض مصرية.
مشكلة الأوراق الثبوتية لا تقتصر على الحفيد وإنما يعانيها الأب والجد الذى تدخل قائلاً: «يعانى أغلب أفراد قبيلة الأتمن عدم حصولهم على الأوراق الثبوتية؛ نظراً لقلة أعدادهم مقارنة بقبيلتى العبابدة والبشارية اللتين تشكلان أغلب سكان حلايب وشلاتين، وبالتالى تكون لهم الأولوية فى استخراج الأوراق الثبوتية، بالإضافة إلى قوة شيوخ هاتين القبيلتين مقارنة بشيوخ قبيلتنا التى تعانى إهمال وعدم اهتمام المسئولين بالمدينة؛ لذلك قلما يوجد واحد من قبيلة الأتمن يحمل أوراقاً ثبوتية تفيد بأنه مواطن مصرى وله حقوق مصرية سواء له أو لأولاده». ليست قبيلة الأتمن وحدها هى المحرومة من أوراق المواطنة، بحسب الرجل الستينى: «هناك قبيلتان تعانيان نفس مشكلة الأتمن، هما الهدندوة والراشيدة»، واصفاً إياهم بالمهمشين الذين لا يحصلون على أى حقوق رغم تأكيدهم أنهم مصريون حتى النخاع.[ThirdImage]
أمل وحيد يعلقه «أبوشنب» على رئيس الجمهورية القادم، وهو وضع مشكلة قبيلته أمام عينه ومحاولة إيجاد حل لها مردداً: «طوال عقود ونحن نعانى مشاكل كثيرة حتى الخدمات والمعونات التى تقدمها القوات المسلحة إلى أهالى حلايب وشلاتين لا نستطيع الحصول عليها لأننا لا نمتلك بطاقات قومية، فضلاً عن أننا لا نحصل على معاش وأولادنا محرومون من التعليم وبالتالى صعوبة إيجاد عمل مناسب، وأنا حالياً لا أجد عملاً وأجلس وسط عائلتى وأحفادى كحارس لهم، وأكلنا يقتصر على الدقيق ولبن الإبل كما أنه لا يحق لى الحصول على وحدات سكنية لأنى لا أملك ورقاً ثبوتياً». أمنية وحيدة يتمناها الرجل: أن يكون له صوت فى الانتخابات الرئاسية، وأن يكون له الحق فى اختيار مرشح، قائلاً: «يتجاوز عددنا الألف شخص ونستطيع تشكيل فارق فى الانتخابات الرئاسية فلماذا نُحرم من هذا الحق؟».