على مدار ما يقرب من ٦ أشهر كاملة، دارت ماكينات وسائل الإعلام حول التغطية غير المباشرة والمباشرة للراغبين فى الترشح والطامحين إلى العمل السياسى بمختلف مواقعه من الأحزاب السياسية إلى القطاعات الجماهيرية، وأهمها نقابات المهنيين وأكبرها ما يقرب من ١٥ مليون مهنى فى نقابات المعلمين والتجاريين والزراعيين والمهندسين والأطباء والمحامين وما يسبقها أو يتلوها من الاتحادات والمجالس النوعية، مثل اتحاد عمال مصر والاتحاد التعاونى الزراعى والاتحاد التعاونى الإسكانى واتحاد الجمعيات الأهلية واتحادات شباب المدن واتحادات شباب القرى وغير هذا وهذه من التشكيلات الشعبية غير الحكومية، مثل مجالس الآباء للمراحل التعليمية والاتحادات الإقليمية للجمعيات الأهلية بكل محافظة لتشمل ما يقرب من ٥٠ ألف جمعية أهلية، كما أعلنها بنفسه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى فرنسا ولكلٍّ منها جمعية عمومية لا تقل عن مائة شخص بإجمالى ٥ ملايين مواطن مشارك شعبياً فى نطاق الحى أو المركز أو القرية التى يعمل من أجل خدماتها دون أجر وإنما يكون مشاركاً فى التنمية مستجيباً لدعوة الرئيس بنهضة مصر.
ومن هنا، شاهدنا نقابة الزراعيين تسهم بتشجير ٣٠ ألف شجرة، ونقابة المعلمين تعلم ١٠ آلاف أمّى فى مدارس محو الأمية، ونقابة العلاج الطبيعى تتبرع لمحافظة الجيزة بأدوات المعاقين لمساعدتهم إنسانياً، ونقابة الأطباء ترعى ضحايا البالطو الأبيض من أزمة كورونا، ولكل نقابة دور فى التنمية بل وكان اتحاد عمال مصر رائداً فى فتح قاعات المؤسسة الثقافية العمالية للتدريب السياسى والمشاركة الشعبية ومشروعات الخدمة العامة فى القرى والأحياء، وشهدت السنوات منذ انتخاب السيد الرئيس وحتى انتخاب مجلس النواب الجديد المساهمة فى العديد من المبادرات الرئيسية التى طرحها السيد الرئيس، سواء فى مجال الصحة أو التعليم أو مكافحة الفقر أو تنمية القرى وآخرها مبادرة تنمية ١٥٠٠ قرية تنمية مستدامة بمساهمة الجميع فيها.
ومن الطبيعى أنه مهما كبر حجم المشاركة، فإن حجم المتاح للتعيين بالمجالس النيابية يظل محدوداً، سواء بحكم محدودية المتاح دستورياً مما لا يمكن لرئيس الجمهورية الالتفاف حوله أو بحكم التنوع الكبير للتمثيل النقابى فى مصر مما يكبر تمثيله ويصعب تعيينه.
إلا أن الحد الأدنى من التمثيل يرضى الحجم الأكبر من الأعضاء نقابياً وما لا يُدرك كله لا يُترك كله، ولعل تمثيل هؤلاء بالمجلس النيابى السابق كان أكثر حرفية وأدق إدارة وأكفأ أداءً، فإذا طالعت مهنة المعلمين، فستجدهم منتشرين فى كل ربوع الدولة من أصغر قرية إلى أكبر مدينة، وهم عماد التنمية البشرية شئنا أم أبينا، وإذا نظرت للزراعيين فستجد حقول مصر الزراعية تحتضنهم بين الأشجار والنباتات يزرعون الخير والنماء، وإذا طالعت المهندسين وراء كل منزل وأمام كل عمارة وتحت كل نفق وفوق كل كوبرى نفتخر بأهم إنجازات السيد الرئيس بأكبر شبكة طرق فى الشرق الأوسط على الإطلاق ولعل نقابة الرياضيين تكون استثناءً هذه المرة إذ تم اختيار حسام غالى وحازم إمام ممثلين للأهلى والزمالك بعيداً عن «الخطيب» ومرتضى منصور!
ولأن الحاضر يرتبط فى مصر بالماضى ويتطلع للمستقبل فقد عوّدنا الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أن يعطى أهمية كبرى للنقابات العمالية، فقد كان عصرها الذهبى، ولا يصدق العمال فى مصر أن دورهم يقل أو يتوارى وهم سواعد البناء فى زمن «السيسى»، زمن البناء الأكبر ويتطلع الفلاحون أن يكون لهم تمثيل، ولكن نقيب الفلاحين جمّد نقابته حزناً وغضباً.
ويتطلع الأطباء، وهم فى معركة «كورونا» فوجدوا أساطين النقابة بعيداً وأكاديميين فى الأبحاث قريباً، حيث تم اختيار اثنين منهم فى مفاجأة للجميع!
ولأن «السادات» هو مَن أكمل طريق «عبدالناصر» فى الاهتمام بالعمل النقابى، فقد انشغل فى محاربة نقابتى الصحفيين والمحامين باعتبارهما كانتا مصدراً مستمراً للإزعاج، خاصة فى زمن تحرير الأرض بالحرب ودماء الشهداء، وبالسلام بالسلم والمفاوضات وتسلّم كامل أرض سيناء، كانت أجواء السياسة ساخنة وحادة وصدامية، وكان «مبارك» تقليدياً فى شعار «يبقى الوضع كما هو عليه»، حيث لم يتدخل فى النقابات لا كثيراً ولا قليلاً وتركهم وشأنهم لدرجة ترك الإخوان منهم كما هم واعتبر النقابات بديلاً لهؤلاء فى العمل السياسى.
ولحسن حظ مصر أن تخلصت عبر ثورة يونيو من كل أشكال العنف، والنقابات كلها قد نقّت نفسها من كل معارض ليونيو أو كل معارض للرئيس السيسى باعتباره رمزاً لثورة يونيو وسنداً لحركة الشعب المباركة التى طالبت الجيش وقائده بالتدخل لإنقاذ مصر، ولذلك كانت تنتظر أن يكون لهذا الدور المهنى دور نيابى أكبر فبحكم الالتصاق بالواقع المصرى، فإن المهنيين هم الأدرى بأحوال الشارع وأحوال الموظفين والعاملين ومعادلة التوازن بين ضغط الاحتياجات ووفرة الإمكانيات وفى ظل الفجوة بين الطلبين تلعب النقابات المهنية والعمالية دور الحفاظ على الأمن الاجتماعى والتوازن بين الحاجات الملحة لأعضاء هذه النقابات ودور الدولة فى تحقيق مطالبهم، ولذلك فإن دور النقباء حالياً هو الأصعب على الإطلاق فى إقناع الأعضاء بالتحمل وتوفير الحد الأدنى لهم من المعاش وعلاج الأمراض وتوفير الاحتياجات الأساسية، مكملةً دور الدولة المنقوص أحياناً بحكم قلة الموارد.
وختاماً، فإن الحوار مع القيادات النقابية بكل أنواعها لسان حالهم يقول إنهم «خرجوا من المولد بلا حمص»! وأنا أقول لهم «خيرها فى غيرها»! ومرة تفوت ولا حد يموت، وربنا دائماً يختار الخير وكل انتخابات وأنتم بخير!