وسط غموض عن الدوافع وراء القرار الذى اتخذه «مجلس القضاء الشرعى»، التابع لحركة حماس، وبموجبه يمنع سفر الشباب فوق الـ18 عاماً والفتاة أو الزوجة من السفر دون موافقة ولى الأمر!! تزايدت ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة والرافضة لهذا القرار الغريب الذى لا يتسق مع المكون الوطنى وتتسلل منه رائحة الداعشية الفكرية، فى الوقت الذى بدأت فيه رياح التوافق والمرونة بين طرفى الانقسام «فتح وحماس» تؤتى ثمارها بعد الحوار الأخير الذى جرى فى القاهرة برعاية مصرية، وتم فيه التفاهم على الكثير من الملفات المعقدة بين الطرفين، منها المعتقلون لدى كل طرف، والانتخابات التشريعية والرئاسية وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، الأهم الملف الخاص بالمصالحة وكيفية رأب الصدع الذى حدث منذ انقلبت «حماس» على الشرعية فى غزة وقررت حكمها.
قرار «حماس» المفاجئ لاقى استهجاناً كبيراً فى المجتمع الفلسطينى، وموجة من الغضب والرفض الوطنى، وأثار حفيظة المؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى، لأنه يتعارض مع الدستور والقانون الأساسى وجوهر الحقوق والحريات التى تأخذ فى الاعتبار طبيعة وظروف الحياة الفلسطينية، فضلاً عن أنه يشكل عبئاً إضافياً على السكان فى قطاع غزة المحرومين من الحرية منذ سنوات بسبب الحصار وتقييد حرية السفر والتنقل، فالمجتمع الفلسطينى لم يعرف يوماً وصاية بهذا الشكل المطروح من حركة حماس! فهى التى أنكرت الاتهامات الموجهة إليها بشأن إقامة إمارة إسلامية فى غزة، وتزعم أنها تسعى دائماً بنية صادقة لإنهاء الانقسام وطى صفحة الصراعات لإنجاز المصالحة الوطنية، وإعادة ترتيب البيت الفلسطينى بالتوافق مع جميع الفصائل الفلسطينية. إن جوهر القضية يكمن فى تركيبة المجتمع الفلسطينى والتطور السياسى الذى واكب القضية الفلسطينية، إذ حافظت المرأة على وجودها وكيانها، وكانت فاعلة ومؤثرة فى تاريخ المقاومة، وسطرت أعظم التضحيات التى أثرت فى مسار القضية الفلسطينية، لذا لا يمكن تغافلها أو تهميشها، فدورها لا يقل أهمية عن دور الرجل فى حركة النضال ضد الاحتلال ووقوفها فى مواجهة المحتل بنفس القدر والأهمية، والأمثلة كثيرة لعل أبرزها «خنساء فلسطين أم نضال فرحات، ودلال المغربى، وليلى خالد».. وكثيرات لا يتسع المجال لذكرهن سطرن أروع البطولات فى نضالهن ضد الاحتلال الإسرائيلى. فهذا القرار ينتقص من قيمة المرأة الفلسطينية، ويمتهن حقوقها، ويحقر من شأنها ومن تاريخها النضالى، ويستخف بالوعى الوطنى الذى جسدته فى المقاومة بجدارة إلى جانب الرجل، فهى رمز بطولى ونضالى قبل أن تكون ابنة وزوجة وأماً. فهل المطلوب من الشاب أخذ الموافقة لو أراد العمل أو التعليم فى الخارج؟ وتصطحب الفتاة «محرم» معها إذا كانت وجهتها التعليم فى جامعات الضفة الغربية وهى جزء من الوطن الفلسطينى؟! أوتأخذ موافقة ولى الأمر وهى تقاوم الاحتلال وترمى الحجارة مع شعبها وتشارك فى المظاهرات، وتقف بصلابة فى مواجهة رصاص الجنود الإسرائيليين طبيبة وممرضة ومسعفة؟!! لقد تناست «حماس» دور المرأة وأهميتها فى المجتمع وقيمتها كإنسانة حرة لا تعيش فى عصر العبودية، وتناست أيضاً الشهيدات اللاتى ضحين بحياتهن فى خطوط المواجهة إبان مسيرات العودة وهن يقفن بصلابة فى ظهر المتظاهرين يسعفونهن فى الميدان دون خوف أو تردد مثل المسعفة «رزان النجار» التى أصبحت أيقونة ومثلاً يحتذى. فما هى رسالة «حماس» للسلطة الفلسطينية فى رام الله والمجتمع فى غزة؟ وسط ظروف حساسة لا تتطلب أى نوع من المقامرة، وفى وقت يستعد فيه الفلسطينيون لمرحلة سياسية جديدة، ماذا تريد «حماس» من خلال هذا القرار الذى تراجعت عن تنفيذه ولم تلغه تحت وطأة الضغط والغضب الشعبى؟! هل تريد تثبيت وجودها السلطوى فى المرحلة المقبلة؟ هل تدرك حركة حماس خطورة مثل تلك القرارات على المكون الوطنى الفلسطينى الذى يبحث عن موطئ قدم فى ظل التراجع الملحوظ الذى نال من القضية الفلسطينية وشعبها؟ أم أنها تريد ترسيخ «طالبان» جديدة فى غزة؟!!.