هل تخيلت يوماً أن تغوص لأعماق البحر بحثاً عن لؤلؤة نادرة الجمال والقيمة والشكل واللون لتهبها لمن تحب أو لتحتفظ بها بعيداً عن عيون المتطفلين الطامعين الحاسدين فى خزانة لا يصل إليها أحد سواك؟!
إن لم يراودك هذا الحلم فقد حُرمت من أجمل رحلة خيالية يمكن أن تقوم بها، فلا سعادة أو متعة يمكن أن تقارن بما يشعر به من يحلّق فى الفضاء وسط الطيور والطائرات والملائكة والنجوم والنيازك فوق قمم الجبال، مخترقاً طبقات من السحاب، ومثله فى ذلك الإحساس الرائع لمن يغوص فى أعماق البحار وسط الأسماك والصخور والقواقع والشعب المرجانية وكنوز البحار وعرائسها التى تنافس ملكات الجمال فى فتنتها وملامحها الآخاذة وعيونها الساحبة ورشاقتها وخفة حركتها وسباحتها وسط عجائب مخلوقات الأعماق، لتصل إلى الشاطئ، وتفتن من تجد من عالم البشر وتظل حلماً وقصة وأسطورة يحكونها ويصفونها وينتظرونها فى الليالى القمرية جيلاً بعد جيل.
ووسط هذه الصور الخيالية المبهرة اللامعة، عاش سكان الجزيرة العربية ليمارسوا حرفة الغوص والبحث عن اللؤلؤ فى تجارة نادرة أسطورية حالمة وصعبة وخطيرة ومربحة وتحتاج إلى مهارات وقوة تحمل وإصرار ويقظة ويتسابق الملوك وأصحاب المال والجاه على شراء حصيلتها، ليزينوا بها نساءهم وتتوارثها أجيالهم واحداً وراء الآخر بكل فخر وخيلاء.
وإذا كان اللؤلؤ هو الجرم السماوى الأبيض اللامع كما يطلق عليه فى الموسوعات الثقافية فإنه النوع الوحيد من الجواهر الذى يتشكل داخل جسم حيوان وبمجهوده الخاص، وهنا يكمن التشابه الكبير بينه وبين الحب الذى يمكن أن نقول عنه الإحساس الوحيد الذى يتشكل ويتكون داخل قلوبنا. فعندما تدخل حبة من الرمال إلى جوف المحارات الصغيرة أو أى جسم غريب يشعر المحار بالتهديد من هذا الغزو، فيحمى نفسه بإفراز مادة بشكل فورى لتلتف حول تلك الحبة، وهى عبارة عن مزيج من المواد العضوية وغير العضوية، وتسمى (عرق اللؤلؤ) ولا تتم هذه العملية بين ليلة وضحاها، بل تحتاج سنوات لتظهر اللؤلؤة.
وهكذا قلوبنا ودورة حياة الحب داخلها، تغزوها نظرة أو كلمة أو لمسة ناعمة، فتبدأ فى المقاومة وتستبسل فيها بإفراز جميع هرمونات الجسد، من المسئول عن السعادة إلى المحفّز للنشاط والباعث للملل والتفكير وربما الدافع للنوم والاستغراق فى الأحلام أو المسبّب للاكتئاب، أو ذلك الذى يدفع باللمعة فى العيون والتألق والجمال والنضارة للوجه، لتكون المفاجأة مخلوقاً جديداً يشبه اللؤلؤة فى خواصها ألا وهو الحب. وإذا كان لكل حبة لؤلؤ خصائصها الفريدة التى تميزها فلا نجد حبتى لؤلؤ متشابهتين أو متطابقتين فى اللون أو الحجم، فإنه من الواقع والتجارب والحياة لا توجد قصتا حب لهما نفس المشاعر أو العمر أو العثرات أو الفرحة والسعادة والاستمرارية.
وتمتد أوجه التشابه بين الحب واللؤلؤ فى ندرته وقيمته، حيث يخشى عليه بسببها صاحبه من الضياع أو أن يتعرض للسطو من الآخرين، فيحاول أن يحتفظ به فى أعماق قلبه كما كان الغواصون يحتفظون على قواربهم منذ آلاف السنوات (البشتختة)، وهى صندوق صغير ذو شكل جميل يجمع فيه اللؤلؤ ويحتفظ بمفتاح له ربان السفينة. فهل هناك أجمل من أن يكون قلب أحدنا محارة تخفى داخلها لؤلؤة تكونت ونمت وتشكلت من عرق الحب؟