الوفيات داخل أقسام الشرطة.. "الداخل والخارج مفقود"
يدخلون متهمون مدانون بتهم، قد تقودهم إلى سنوات عديدة بين جدران مشوهة تزينها قضبان يتنفسون من خلالها أشعة الشمس والهواء الذي يأملون أن يتخللهم ويتنفسون بعمق، ليدخل "مفقود" يتوق للحرية ليعرف قيمتها ويتهذب، ويخرج "مولود" ليبدأ بداية جديدة، إلا أنه مؤخرًا وبأقسام الشرطة تحديدًا أصبح "الداخل" و"الخارج" مفقود.
"وفاة متهم أثناء تجديد حبسه بسبب توقف عضلة القلب".. خبر تصدر الصحف والمواقع الإخبارية اليوم،.. متهمًا بقضية "خلافات جيرة" تعرض للإعياء داخل قفص الاتهام بقسم شرطة تابع للمطرية، نقل على إثره لمستشفى منشية البكري، ليفارق الحياة قبل أن يصل، وأثبت التقرير الطبي أنه لم يتعرض لضرب أو تعذيب، ولا توجد شبهة جنائية حول الوفاة التي كان سببها بالأساس توقف عضلة القلب.
لم تكن هذه الحالة هي الوحيدة اليوم، ففي مركز أبو المطامير، قام أحد ضباط الشرطة بمعاونة بعض الأمناء بضربه بوحشية، كاد على إثرها أن يفقد حياته، لينتقل من القسم إلى المستشفى مصابًا بشلل نصفي، أفقده السيطرة على الجزء الأسفل من جسده.
"سراج" الذي حاول الوصول إلى الكافيتريا الخاصة بوالده أثناء مشاجرة بالشارع، ووقعت بينه وبين الأمن مشاجرة انتهت بالقبض عليه ومعاملته بوحشية، ضُرب خلالها بالعصى وبمؤخرة البندقية على ظهره.[FirstQuote]
"شلل نصفي كامل بالطرفين السفليين، مع فقدان التحكم بعملية الإخراج، وفقدان الإحساس حتى مستوى الصدر، وخذل واضح بالطرفين العلويين".. هكذا أفاد التقرير الطبي للمستشفى التي تلقت "سراج" للعلاج بها، وأرجع التقرير هذا إلى تعرضه للاعتداء من قبل آخرين.
أول أمس، لفظ شاب أنفاسه داخل حجز قسم شرطة أول أكتوبر، أثناء قضائه مدة الحبس الاحتياطي على ذمة قضية سرقة، حيث كان ماثلًا داخل الحجز وسقط فجأة، وأحضر الأطباء وأفادوا بوفاته وتم إخطار النيابة العامة، التي أمرت بندب الطب الشرعي لتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة، إذا كانت مخدرات أو وفاة طبيعية.
وكانت "الوطن" أمس حصلت على نسخة من تقرير الطب الشرعي لوفاة المتهم محمد السيد عبد الفتاح، داخل مركز شرطة كرداسة في إبريل الماضي، الذى كان محتجزاً على ذمة قضية خطف.[SecondQuote]
وأرجع التقرير سبب الوفاة لتعرض المتهم لعديد من الإصابات المنتشرة بعموم الجسم والرأس، صاحبها كسور بالأضلاع ونزف دموية غزيرة منتشرة بعموم الأنسجة الرخوة بالجسم، وما نتج عنها من صدمة، بسبب الركل بالأيدي والأقدام، والضرب بماسورة بلاستيكية أو جسم صلب ذو سطح خشن، مما أدى إلى الوفاة، بينما نفى ضباط القسم تعرض المتهم للتعذيب، وأرجعوا سبب الوفاة إلى وقوع المتهم على الأرض أثناء اصطحابه لمكان اختطاف الطفل، على الرغم من تأكيد شهود العيان قيام ضابطين وعدد من أفراد مركز شرطة كرداسة، بالاعتداء عليه أمامهم باليدي والأرجل باستخدام ماسورة.[ThirdQuote]
لم يكتف هذا الأسبوع بهذا القدر من المتهمين المتوفيين، فقبل ثلاثة أيام، توفى متهم داخل حجز قسم شرطة المعادي، بعد إصابته بغيبوبة سكر وتأخر ضباط القسم في إسعافه ليفارق الحياة نتيجة الإهمال، وأمرت النيابة بدفنه واستدعاء أسرته، وفي نفس اليوم لفظ متهم أخر أنفاسه داخل حجز قسم شرطة الخليفة، وتم تحرير محضر وأخطرت النيابة بالواقعة، وأمرت بتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة، وصرحت بالدفن.
وبين حالات التعذيب والضرب التي يتعرض لها بعض المتهمين داخل بعض الأقسام، تتزايد حالات الإهمال بمراكز الشرطة، الأمر الذي أدى إلى زيادة حالة الوفيات بين المتهمين المحتجزين، كما يشهد قسم شرطة "دار السلام"، فبعد وفاة 4 متهمين خلال شهر واحد داخل الحجز، وقامت لجنة الطب الوقائي بالتفتيش على الاشتراطات الصحية داخله.
35 متهما بحجرة وأخرى 12، ونصيب الفرد نصف متر تقريبًا، وحمامات بلدي بدون مياه وبدون مصدر مياه، وحمامات غير صالحة للاستخدام ومصدر لانتقال العدوى بين المحتجزين، ويتم تفريغ حاجة المتهمين في "جردل" موجود بالحجرة، وتعطل المراوح وشفاطات الشبابيك تعمل بصورة غير منتظمة، والأسلاك تسد الشبابيك ومسدودة بالأتربة، ونسب الأكسجين في الحجر غير مطابقة، كانت كفيلة للاقتناع بوفاة 4 متهمين فقط وليس أكثر مع حالة الإهمال والبؤس التي يعيش فيها هؤلاء المتهمين.
وكرد فعل على حالات الإهمال التي يتعرض لها المتهمين بأقسام الشرطة داخل القاهرة، أودت بحياة 6 منهم 4 في قسم شرطة "دار السلام" وحده، قررت وزارة الداخلية تركيب أجهزة تكييف بالحجوزات، منعا لحالات الاختناق والوفاة نتيجة التكدس.