مشكلتان أساسيتان تواجهان المشروع الذى تعده حالياً اللجنة التأسيسية للدستور: الأولى يمكن وصفها بمشكلة «مسمار جحا»، أما الثانية فيصح وصفها بمشكلة «اللى يخاف من العفريت يطلع له». وإذا واصل مسمار «عم جحا» عمله فى شغل اللجنة، وظلت المخاوف مسيطرة على أعضاء لجنة إعداد الدستور، فسوف نجد أنفسنا فى النهاية أمام مسخ «يهلّك من الضحك»، وليس أمام دستور.
«الجحويون» من أعضاء اللجنة يحاولون دق مسمار داخل مواد الدستور، يضمن لهم بعد ذلك التحجج به أمام كل قانون أو إجراء يتخذ على غير هواهم. من هذا الصنف مجموعة الإسلاميين الذين يصرون على اللعب فى مادة الشريعة الإسلامية، فهم يريدون أن تكون المصدر الرئيسى -وليس مجرد مصدر- للتشريع، لكى يتخذونها بعد ذلك ذريعة للاحتجاج على أى قانون لا يعجبهم بحجة مسمار «الشريعة»!. وليس الإسلاميين -استثناء- بين أعضاء اللجنة فى الاعتماد على هذا المنهج «الجحوى»، بل تجد أن الليبراليين أيضاً يسلكون المسلك نفسه حين يتصل الأمر بموضوع مثل حقوق المواطنة، فتجد مثلاً أنهم يتحدثون عن الحق فى السكن وضرورة أن تكفله الدولة، وخوفاً على المواطن يوشك «ولاد جحا» على تحديد مواصفات المسكن بالمتر والمناور والبروزات ونظام التشطيب وغير ذلك، لكى تكون هذه المادة مسماراً بعد ذلك ينفع عند اللزوم!.
أما «الخوّافون» من أعضاء أمّنا «التأسيسية»، فهم مصابون بمرض «الوسواس القهرى» من كل مادة وأى صياغة، رعباً من أن تؤدى بعد ذلك إلى مشاكل. وأمام حالة الخوف التى تسيطر عليهم، فإنهم ينسون حقيقة أن الدستور يتأسس على حلم وليس على مخاوف، وأنه ليس مجرد وثيقة لسد ثغرات الواقع المعاش، وإنما هو فى الجوهر أداة لصناعة المستقبل. ولعل أبرز المواد التى تبرهن على هذا الخوف تلك المواد الانتقالية التى يقترحها البعض لضمان استمرار رئيس الجمهورية الحالى فى منصبه أو بعض المجالس المنتخبة فى مواضعها، لو عبرت من أحكام القضاء كما هى عليه. والنتيجة التى تترتب على ذلك أن مواد الدستور تصبح وسيلة للتعبير عن الخوف من المستقبل، بدلاً من أن تكون حلماً للمستقبل!.
لذلك فالرهان على أن الدستور الذى تعده اللجنة التأسيسية سوف يكون «مسخاً» هو الرهان الوحيد المضمون، وسوف تكون المواد المتضمنة فيه مطية لرئيس الدولة، تماماً مثلما كان الحال فى دستور 1971 الذى امتطاه المخلوع حسبما وكيفما يريد. الطريقة الحالية التى يكتب بها دستور مصر تؤكد أن المستقبل لن يحمل وضعاً سياسياً أفضل من الماضى، بل ربما يكون أسوأ، والسر فى ذلك يعود إلى أصحاب المسامير من ناحية، ومن يخافون على روحهم من ناحية أخرى!.