كتب أ. علاء رضوان، الصحفى بـ«اليوم السابع»، ما يلى: «ماتت أمى قرة عينى، ومات خالى كمال سندى وعونى، وماتت زوجة خالى وابنته، وماتت خالتى، أمى الثانية بعد أمى، وماتت ابنة خالتى وابنتها، وماتت زوجة ابن خالتى وولده، وماتت زوجة ابن خالى».
وتابع: «10 وفيات من أسرتى يا الله فى حادث مفجع، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارزقنا وألهمنا الصبر من عندك يا الله، ربنا يجعلكم مع النبيين والصديقين والشهداء».
انفجر الإطار الأمامى لسيارة نقل «تريلا» محملة بمواد بناء، ما أدى لاختلال عجلة القيادة بيد سائقها وانقلابها وتخطيها الحاجز الخرسانى بمنتصف الطريق، واصطدامها بسيارة «ميكروباص» فيها أقارب الصحفى صادف مرورها بالطريق المقابل فى نفس التوقيت، الحادث أودى بحياة ٢٠ شخصاً بينهم ٩ أطفال أعمارهم بين ٤ و١٢ عاماً، منهم 10 من أسرة الصحفى علاء رضوان.
الإيمان نصفان شطر للشكر وآخر للصبر، فالإنسان لا ينفك عن بلاء وكرب يصيبه فيحتاج للصبر، أو نعمة تحل بأرضه وتحتاج للشكر، فإذا صبر فى البلاء وشكر فى الرخاء فقد حقق شطرَى الإيمان.
ومعظمنا يتصور أن الأصل فى الدنيا البلاء والمرض والكرب وذلك لكثرة ما يقرأه ويسمعه من أخبار المرض والحوادث والبلايا والكربات، ولكن الحقيقة غير ذلك.
فالأصل فى الحياة العافية والصحة لا المرض، الحياة لا الموت، ولكن معظم الناس تنسى أيام العافية والصحة والخير والنعم والرخاء، وتمعن فى تذكُّر البلاء والمرض والكرب والشدائد، فنهر العافية لا يلتفت له أحد، ولكن كومة من القاذورات فوق نهر الخير الجارى تستوقف الجميع ويتذكرها الكل.
ومن نعم الله على الناس أن المصائب عادة ما تبدأ كبيرة ثم تصغر، أما النعم فهى عادة تبدأ صغيرة ثم تكبر.
والنعمة الكبيرة تحتاج إلى شكر يليق بها، تحتاج إلى شكر عظيم، كما أن السيئة الكبيرة تحتاج إلى استغفار وتوبة عظيمة، وكذلك البلاء الشديد والمصيبة العظيمة تحتاج إلى صبر عظيم، وأصحاب الصبر أجرهم يوم القيامة بغير حساب «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ».
وأعظم الصبر هو الصبر عند الصدمة الأولى، فعادة ما ينهار الناس أمام هول الصدمة فى البداية، وخاصة النساء، فيفقد البعض عقله أو أحياناً يضيع جزء من إيمانه فى الشك فى حكمة الله فى قدره وقضائه أو فى التسخط على الله أو على قدره، أسمِّى أحياناً الصبر عند الصدمة الأولى الصبر قصير المفعول، وقد حثّ الرسول أمته على هذا الصبر فقال للمرأة التى تولول على ابنها عند القبر «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» أى حينها يُختبر الصبر ويُمتحن الصابرون، ففى لحظة صدمة الابتلاء الكبرى يظهر معدن الاتزان الإيمانى والنفسى لدى المبتلين ويظهر معدنهم الحقيقى.
وقد قابلت طوال حياتى الصعبة والممتدة عبر سنوات الكثير من الأحزان والمحن، عايشت بعضها وسمعت عن بعضها الآخر، ولكنى لم أرَ هولاً ومحنة لحقت بأحد كما لحقت هذه المحنة بالعزيز الصحفى علاء رضوان الذى فقد عشرة من أسرته مرة واحدة فى حادث مرورى بشع عند منطقة الكريمات على طريق الصعيد الشرقى.
فقدُ الأم وحده كارثة ما بعدها من كارثة، وفقد الخال الرحيم الحنون كارثة أخرى، وفقد الخالة العطوفة الأم الثانية للإنسان محنة إضافية، وفقد أسرة الخالة والخال مصيبة ما بعدها من مصيبة.
أصول عظيمة فقدها هذا الرجل فى لحظة، وفروع نبيلة غابت عن حياته اغتالتها يد باطشة من سائقين معدومى الضمير.
ما أصبرك وأحلمك يا علاء لتواجه وحدك هذه المأساة، وتفقد معظم أسرتك فى لحظة خاطفة، وما أدراك ما الموت فى حوادث السيارات، بهدلة وإجراءات معقدة وشرطة ونيابة وجثث ملقاة على الطريق لا يغطيها سوى الدماء وبعض الأشجار.
لقد مرت أسرتنا بتجربة وفاة شقيقى الأكبر محيى الدين، وكان وقتها فى الشهادة الابتدائية، ولن أنسى منظر أسرة تجرى فى الشوارع ملهوفة حتى تصل لجثة ابنها الملقى على الأرض تغمره الدماء ومغطى بأوراق الشجر.
أصحاب حوادث السيارات والقطارات أولى الناس بالشهادة وينطبق عليهم قياساً حديث رسول الله «صاحب الهدم شهيد».
حوادث السيارات أصعب وأشق، ما أشق هذه الأيام على هذه الأسرة الكريمة، رحم الله هؤلاء الشهداء، وغفر الله للسائقين المتهورين، ورزق الله أسرة أ. علاء وأمثالهم الصبر والرضا «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ» أى لا شكوى فيه ولا تسخط.