7 خسائر لإسرائيل من حرب غزة.. ومكسب وحيد
حتى قبل أن تنتهى الحرب، ويتفق الطرفان على هدنة طويلة الأجل، خرج الكتاب والسياسيون والمحللون الإسرائيليون ليرصدوا ماذا حل بهم.. ماذا جنت إسرائيل من الحرب وماذا خسرت؟، يقول الكاتب «يغئال ألون»: فى الماضى كانت إسرائيل تكسب فى الحروب وتخسر فى تسويات ما بعد الحرب ولكن الحال تغير الآن، فلم تعد الحرب كما اعتدنا عليها ولم تعد الانتصارات انتصارات ولكن التسويات هى نفسها التسويات، ولأن حرب غزة هى حرب أهداف وليست حرب احتلال؛ ففى نهاية كل عملية توجد بذرة لنشوب معركة جديدة، فهى حرب لا يمكن أن تكون بها انتصارات كبيرة أو هزائم مفجعة بل إحراز لأهداف محدودة.. وتنتهى دائماً بعبارة: «إلى اللقاء فى الجولة المقبلة».. . هكذا رأى كتاب وساسة وباحثو إسرائيل الحرب الأخيرة على غزة، ورصد هؤلاء قائمة من المكاسب والخسائر من الحرب التى بدأت بعملية «الجرف الصامد» مروراً بالعملية البرية، ووصولاً للهدنة والمفاوضات.
أولى الخسائر المفجعة من وجهة نظر هؤلاء هى الخسائر الاقتصادية التى مُنى بها الجيش الإسرائيلى الذى لم يكن مستعداً لحرب عصابات مع مقاتلى حماس وتفاجأ قادة الجيش بانتشار مكثف لجنود كتائب القسام وبخدعة الأنفاق التى دفعته إلى حالة شديدة من الارتباك أثناء العملية البرية والتى لم تحقق كافة نتائجها وتعليقاً على ذلك كتب «عاموس هرئيل» فى جريدة «هآرتس» مقالاً بدأه بعبارة: «خسرنا كثيراً» فقتل ثلاثة مدنيين و64 ضابطاً وجندياً وإصابة 1580، هو أمر على درجة كبيرة من الخطورة وأضاف: «من المؤكد أن الجيش الإسرائيلى لم يخسر فى الحرب، لكنه خرج إلى المعركة البرية بدون توضيح من الاستخبارات التى لم تبين له من الذى يحاربهم وكيف».
هذا عن الخسائر البشرية وإذا انتقلنا للخسائر الاقتصادية فحدث ولا حرج، فسنجد أن هناك أزمة حقيقية تحيط بإسرائيل؛ فلو أخذنا فى الاعتبار الأزمة الاقتصادية التى عانى منها الجيش الإسرائيلى قبل الحرب بشهرين فقط والتى تسببت فى خلافات حادة بين وزيرى المالية والدفاع، سنجد أنه من المنطقى أن تنسحب إسرائيل من القطاع فور عقد الهدنة وأن تبادر بطلبات وقف إطلاق النار وتخضع لمطالب حماس، فخسائر إسرائيل الاقتصادية فادحة، كما أكد الإعلام الإسرائيلى.
وعلى الرغم من عدم ظهور أرقام محددة، فإن التقديرات الأولية تؤكد أن الحملة تكلفت من 15 إلى 20 مليار شيكل من الخزانة الإسرائيلية، تتوزع على ثلاثة مجالات أساسية: تجنيد الاحتياط والعتاد العسكرى الذى تآكل واحتياطى الذخيرة، والوقود ويتحمل الجيش من هذه النفقات نحو 10 مليارات شيكل وهو مبلغ كبير جداً، فالناتج القومى الإجمالى لإسرائيل يبلغ نحو تريليون شيكل وإنفاق 20 مليار شيكل تمثل فقط 2% من حجم الإنفاق وبرغم أنها نسبة قليلة، فإنها ستلحق ضرراً بالميزانيات فى السنوات المقبلة، وتعد هذه الحرب هى الحرب الأكثر تكلفة مقابل عدوان 2008 الذى بلغت تكلفته نحو 8 مليارات شيكل، فيما كلف عدوان 2012 فقط 2 مليار شيكل.[FirstQuote]
وفى السياق نفسه، قامت منظمة «الجمعية من أجل الجندى» بجمع تبرعات للجنود بمبلغ 16 مليون شيكل، 2.5 مليون منها وصلت كتبرعات من الخارج، و3 ملايين شيكل من المواطنين والباقى من الشركات الإسرائيلية لمساعدة الدولة فى أزمتها المالية، ووفقاً لجريدة معاريف، فمتوسط ما يتم إنفاقه على خدمة الجندى الاحتياط فى اليوم الواحد نحو 600 شيكل وفى حالة الحرب يوجد حوالى 86 ألف جندى احتياط، بتكلفة إجمالية قدرها 50 مليون شيكل، وبحسب التقديرات الحذرة، تبلغ تكلفة أيام الاحتياط فقط لكل الحملة حتى الآن نحو 800 مليون شيكل. وتكلفة يوم قتال واحد نحو 200 مليون شيكل. وبطبيعة الحال لن تنتهى النفقات مع نهاية القتال، وعندما يستكمل العتاد المتآكل، فإن كلفة الحملة كلها تتخطى 10 مليارات شيكل.
ووفقاً لما نشرته «معاريف» وبحسب تقديرات دائرة الاقتصاد فى اتحاد أرباب الصناعة، فإن الضرر الذى لحق بالصناعة تجاوز حافة المليار شيكل، ويقدر الضرر بالزراعة بـ150 حتى 200 مليون شيكل، والضرر بالسياحة أكثر من مليار شيكل.
أما ثانية خسائر إسرائيل والتى يعتبرها اليمينيون أكثر ضرراً من الخسائر الاقتصادية فهى عدم تحقيق الهدف الأساسى من الحرب فكل ما أنفق من أموال وأرواح كان بلا جدوى فحماس لم يتم القضاء عليها، فهى ما زالت موجودة وما حدث فقط أن إسرائيل أدركت قوتها التى لم تكن تعرفها من قبل وعلق على ذلك «عاموس هرئيل»، قائلاً: «حماس لم تهزم، وستبقى المنظمة تحكم القطاع، وستبقى الشريكة المركزية فى كل تسوية فى المستقبل؛ حتى لو تم ذلك بصورة غير مباشرة. وإذا أفضت المفاوضات إلى خرق الحصار على القطاع، فقد يعتبر الثمن الباهظ الذى دفعته حماس تضحية ضئيلة من وجهة نظرها مقابل تحقيقها هدفاً طالما حلمت به لسنوات وفى هذا هزيمة ساحقة لإسرائيل وانتصار قوى لحماس، فحماس دخلت الحرب ومعها أوراق مساومة ضعيفة خرجت منها وأوراقها قوية».
وفى نفس السياق، قال الكاتب الإسرائيلى اليمينى «مناحم بِن» إن انسحاب الجيش من قطاع غزة يمثل «هزيمة لإسرائيل لأنه لم يسفر عن تحقيق أهداف الحرب، وسمح باحتفاظ المقاومة بكامل قوتها، لقد انسحب جيشنا من قطاع غزة وذيله بين رجليه وبدون أن يحقق الأهداف التى حددتها الحكومة وعلى رأسها القضاء على قدرات حماس العسكرية، مما يعنى أن الجولة المقبلة من المواجهة العسكرية ستكون مسألة وقت.
أما الخسارة الثالثة لإسرائيل فكانت انهيار ما قامت به الدولة العبرية لسنوات وهو تكريس القطيعة بين حركتى فتح وحماس، أو بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث قال «تشيكو منشة»، المحلل السياسى فى الإذاعة الإسرائيلية الثانية، إن نتيجة الحرب «كارثية من الناحية السياسية، لأنها قضت على أهم إنجاز حصلت عليه إسرائيل من الانقسام الفلسطينى، وهو تكريس القطيعة بين الضفة الغربية وقطاع غزة».وأضاف منشة: «لقد بات فى حكم المؤكد أن أداء حماس فى الحرب أفاد قيادة السلطة الفلسطينية وأوضح لصناع القرار فى الحكومة اليمينية أنهم قد أخطأوا عندما لم يعترفوا بحكومة الوفاق الوطنى التى تشكلت فى أعقاب توقيع اتفاق المصالحة بين حركتى فتح وحماس»، وأشار إلى أن «النتيجة باتت واضحة، حيث عند المفاضلة بين حماس وحكومة الوفاق الوطنى فإن إسرائيل ستقرر اختيار حكومة الوفاق، حتى لو كان الأمر يتعلق باستعادة الوحدة بين الضفة والقطاع»، وفى نفس السياق كتب «جدعون ليفى» فى هآرتس: إن إسرائيل أصبحت مستعدة للتفاوض مع ممثلى الوحدة الفلسطينية، وهم من رفضتهم قبل أشهر عندما تمت المصالحة بين فتح وحماس وهو ما تعده إسرائيل إنجازاً حقيقياً لحماس واعترافاً بها.
أما الخسارة الرابعة، فهى أن إسرائيل لم تنجح فى اغتيال أى من القيادات السياسية أو العسكرية لفصائل المقاومة، باستثناء عدد قليل جداً من القيادات الميدانية، وهذا دليل على العجز الإسرائيلى ومحدودية قدراتها الاستخباراتية.
والخسارة الخامسة كانت دبلوماسية وهى تفاقم الخلافات بين إسرائيل وأمريكا والتى كشفتها تلك الحرب وأظهرتها على السطح فبدا واضحاً أن أمريكا تميل لمحور قطر وتركيا على حساب إسرائيل وأمنها وبحسب الكتاب الإسرائيليين فإن وزير الخارجية الأمريكى، الذى قال بعد بداية الحرب أنّه قادر على «إنقاذ الأوضاع»، إلا أنه بدلاً من مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين نجح فى تآكل ما تبقّى من ثقة الإسرائيليين بالإدارة الأمريكية ما أدى إلى تفاقم الخلاف بين واشنطن والقاهرة وتل أبيب. وهناك من سيقول إنّ تصرف كيرى نابع من انعدام الكفاءة الدبلوماسية، ولكنه فى الحقيقة يعكس بشكل دقيق السياسة الخارجية للرئيس أوباما والذى أضر بإسرائيل كثيراً خلال الفترة الماضية.[SecondQuote]
أما الخسارة السادسة فجاءت فى الحرب الداخلية التى ستشهدها إسرائيل خلال الأيام القليلة المقبلة بين اليمين واليسار وهى الخلافات التى ظهرت فى إسرائيل منذ أشهر وأججتها هذه الحرب، فانحياز نتنياهو لآراء الوسط والمعتدلين ومحاولاته الدائمة وقف إطلاق النار سيفتح عليه ناراً أخرى من جانب اليمينيين المتطرفين الذين رفضوا بشدة الانسحاب من القطاع واللجوء للهدنة وأصروا على اجتياح كامل للقطاع وتدميره، فكتب «عاموس هرئيل» فى جريدة هآرتس أن هناك معركة شرسة فى انتظار نتنياهو حيث أصبح خصومه من الساسة يشمون الدم، وهو يدير الأمور ببرود أعصاب ودون أن تستهويه تلك الحماقات، رغم تصريحات اليمين العنصرية، كالدعوة إلى مقاطعة المصالح العربية، ومطالبة نتنياهو باحتلال غزة من جديد، فإنّ الحكومة الإسرائيلية تجاهلت الأصوات اليمينية، فبدا أن رئيس الوزراء دخل مفترق طرق دخله قبله «مناحم بيجين» عندما عقد اتفاقية السلام مع مصر رغم رفض اليمينيين.
أما الخسارة السابعة، فهى زعزعة ثقة الشارع الإسرائيلى بحكومته وثقته بقوة جيشه وهذه هى أكثر الخسائر ألما بالنسبة للإدارة الإسرائيلية، فرغم الهدنة ووقف إطلاق النار رفض سكان المناطق الجنوبية العودة إلى بيوتهم مؤكدين رعبهم وعدم ثقتهم فيما تبثه لهم حكومتهم.
وفى مقابل الخسائر السبع، حققت إسرائيل نجاحاً كبيراً ومكسباً وحيداً بتقوية علاقتها ببعض الدول العربية وهو ما وصفه نتنياهو بالهدف الذى أحرزته بلاده فى المؤتمر الصحفى الذى عقده بعد عودة الوفد الإسرائيلى من القاهرة بعد رحلته الأولى قائلاً: «الآن أعظم المكاسب التى حققتها إسرائيل هو التحالف الدولى، وخاصة العربى»، وفى السياق نفسه تردد فى بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تسيبى ليفنى وزيرة العدل الإسرائيلية ستلعب فى المرحلة المقبلة دوراً مهماً فى التقارب الإسرائيلى العربى، وبشكل خاص الخليجى، ونقلت تصريحات خاصة لليفنى تقول فيها: «إنه يمكن أن يتم تشكيل (عائلة واحدة) تضم إسرائيل ودولاً إقليمية لمحاربة المخاطر المشتركة التى تهددنا جميعاً».