تشهد الساحة السياسية المصرية فى الفترة الأخيرة محاولات عديدة واجتماعات متلاحقة لإقامة تكتلات سياسية واندماج لبعض الأحزاب المدنية لمواجهة تيار ما يطلق عليه الإسلام السياسى الذى يسيطر فصيل منه على الحكم، وأعنى جماعة الإخوان المسلمين، وإذا حاولنا إحصاء هذه التحالفات والتكتلات فإن أبرزها التحالف الشعبى وتحالف الأمة المصرية، وأحدثها تحالف نواب الشعب.
والحقيقة أن الأمور بالنسبة لكل تحالف ليست واضحة المعالم، وأعضاء هذه التحالفات يقدمون قدماً ويؤخرون الأخرى تحسباً من الانقسام فى اللحظات الحاسمة قبل الانتخابات كما حدث فى التحالف الديمقراطى الذى كان يضم أكثر من ثلاثين حزباً فى الانتخابات الماضية أبرزهم حزبا «الحرية والعدالة» و«الوفد»، وانتهت قبل الانتخابات إلى أربعة أو خمسة أحزاب بعد انسحاب الوفد وحزب النور وغيرهما من التحالف الديمقراطى بعد أن تبين لهم أن حصصهم فى الترشحات على قوائم التحالف لا ترضى طموحهم الذى تحالفوا من أجل تحقيقه.
والحقيقة الثانية أن تحالفات التيارات والأحزاب المدنية تفتقر للتنظيم والانضباط، عكس الحال لجماعة الإخوان المسلمين والأحزاب ذات التوجه الدينى التى يخضع أعضاؤها للالتزام بما تقرره القيادة إعمالاً للسمع والطاعة.
والحقيقة الثالثة أن هذه التحالفات المدنية لن تتفق على قيادة واحدة ظاهرة تكون لها الكلمة النهائية التى يتعين أن يلتزم بها الجميع؛ فلكل حزب من هذه الأحزاب قيادته التى تعتقد أنها الأكفأ والأجدر بالقيادة، فكلهم فيما بينهم وبين أنفسهم زعماء، وهذه هى المصيبة التى تواجه التحالفات المدنية.
والحقيقة الرابعة والمهمة جداً فى الانتخابات المقبلة هى مشكلة تمويل الحملات الانتخابية لمرشحى التحالفات المدنية لو اتفقت على قوائم موحدة؛ فالحقيقة الثابتة أن جماعة الإخوان المسلمين تنفق بسخاء على حملاتها الانتخابية ولديها آلة انتخابية واحدة وإنفاق شبه مركزى على المرشحين بحسبان أن «كل المرشحين أبنائى»، وهو ما لا يتوافر لمرشحى التيارات والأحزاب المدنية.
والحقيقة الخامسة أنه لا يمكن إحداث توازن سياسى وإحداث تداول حقيقى للسلطة دون أن تتوحد هذه التحالفات المدنية تحت قيادة واحدة وتفرض الالتزام الصارم على جميع المرشحين والمتحالفين للوصول إلى أغلبية برلمانية وليس مجرد مقاعد متناثرة كما حدث فى تشكيلة مجلس الشعب السابق.
وقد اقترحت لذلك أن يتم اختيار من 300 إلى 400 شخصية قوية تخوض الانتخابات على مستوى الجمهورية وتقوم بالاختيار لجنة من أعضاء التحالف ممن لهم خبرة فى الانتخابات ودراية وقدرة على فرز المرشحين الذين يتمتعون بشعبية فى دوائرهم وألا يكون أعضاء اللجنة ممن سيرشحون أنفسهم فى الانتخابات وأن يتم قبل ذلك إنشاء صندوق مركزى للصرف على حملات هؤلاء المرشحين يتم تمويله من تبرعات أعضاء التحالف من الأحزاب ورجال الأعمال المناصرين للتيارات المدنية، وأحسب أنهم أغلبية من رجال الأعمال فى مصر وأن يلقى كل مرشح فى دائرته الدعم المادى والمعنوى والحشد واشتراك رموز التيار المدنى فى مؤتمراتهم الانتخابية مع مراعاة عدم إقصاء أى مرشح قادر على الفوز بمقعد دائرته الانتخابية إلا بسبب فساد أو انحراف، وهو ما ستحدده اللجنة المشار إليها.
وإذا ما تراءى لأحد المرشحين أن يخوض الانتخابات ضد التحالف بالرغم من عدم اختياره فهو وشأنه، لكنه لن يلقى دعماً من أى نوع يمكن أن يوفره التحالف.
وإذا تحققت هذه الوحدة بين التيارات المدنية فإنها ستحصل -لا جدال- على الأغلبية البرلمانية التى ستمكنها من تشكيل الحكومة فيحدث التوازن المطلوب.. اللهم بلغت، اللهم فاشهد.