هل كانت أزمة السفينة البنمية التى جنحت فى قناة السويس يوم 23 مارس الماضى أزمة مصرية؟ بالطبع لا، كانت أزمة عالمية بكل المعايير اقتصادياً وسياسياً أيضاً. كانت أزمة تحدى إرادة جديد للمصريين وفى مقدمتهم رئيسهم. أزمة تبدى فيها الكثير من التفاصيل التى كان يغفلها البعض أو يجهلها آخرون أو استغلها فريق ثالث.
انتبه العالم لذلك المعبر المائى الدولى الذى يمر فيه 15% من تجارة العالم بأسرع من غيره من الطرق. انتبه العالم لحجم ما تقوم به الدولة المصرية لحماية وتطوير وتزويد هذا الممر بأحدث التقنيات للعالم لا لمصر وحدها. ارتبكت حركة التجارة العالمية حين حُجزت أكثر من 400 سفينة غير قادرة على عبور القناة لتصل لوجهاتها فى بلاد العالم. أعلنت شركات عن عدم قدرتها على عرض منتجاتها، زادت أسعار البترول 3%.
وسياسياً كانت هناك حالة متضاربة من ردود الفعل من جانب دول العالم، فهناك الصامتون الفرحون، وهناك الشامتون الذين لم يستطيعوا تمييز المهنية فى تغطيتهم الإعلامية، وهناك المبادرون بالتعليق الذى يحمل بين طياته رسائل أعمق بكثير من عبارات رددوها.
ولكن كانت مصر حاضرة بقوة فى تلك الأزمة كدولة تدرك حجم ما تواجهه من تحدٍ على كل الأصعدة بما فيها خسارتها اليومية المقدرة بنحو 15 مليون دولار نتيجة تعطل الملاحة بالقناة. ومدركة لأبعاد ردود الفعل على تعدد ملامحها، كما كانت مدركة لما هو أبعد من الأزمة وعلاقتها بتحديات أخرى نواجهها كأزمة سد النهضة على سبيل المثال.
ليس هذا وحسب، بل إن مصر كدولة ومؤسسات كانت حاضرة على مستوى إدارة الأزمة، فحينما تتابع تصريحات الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس وتسمع كيف وصل الرجال الليل بالنهار على مدار سبعة أيام لحل الأزمة بإمكانيات وحلول وسواعد مصرية بما يُعد إنجازاً وصفه العالم أجمع -العدو قبل الصديق- بأنه غير مسبوق، فلابد أن تبتسم وأنت تتابع عبث إعلام دويلات لا تلحظها على الخريطة. وحينما تسمع أن وزارات الدولة كلها كانت حاضرة لتلبية احتياجات السفن المعطلة فى القناة بما فيها علف المواشى المنقولة عبر البحر، وفتح غرف العمليات من قبل وزارة البيئة خشية حدوث أى تسرب زيوت أو بترول من السفينة.
نعم كان تحدياً سرق النوم من عيون البسطاء المحبين لدولتهم فلم يملكوا سوى دعواتهم فى الصلاة لله أن يزيح الغمة ويدعم من يأخذ القرار ويسعى للحل بالمدد. كان تحدياً لرجال لم يتوانوا لحظة واحدة عن تقديم مصلحة وطن ومستقبله وسمعته على راحتهم وقدراتهم فتحدوا المستحيل. كان تحدياً رددنا فيه على لسان رئيس بلادى -وقت الأزمة وبعدها- أنه لا تفريط فى حقوق مصر المائية بنهر النيل ولو كانت نقطة مياه واحدة وإننا قادرون على علاج ما فرض علينا من تحديات حتى لو كانت بفعل فاعل، ولكل حدث حديث. كان تحدياً أعاد للأذهان كيف كانت قناة السويس على مدار التاريخ محل صراعات ساعية للسيطرة على بلادنا وقناتها والطرق المحيطة بها لأنها قلب العالم، ومن يسيطر عليها فقد فاز به.
فلتحيا مصر دوماً.