من أجمل الليالى التى نقضيها مع القمر تلك التى نقصّ عليه فيها حكايات ألف ليلة وليلة ويشاركنا فرحة شهرزاد وانتصار الحب على القسوة والعنف، وقصة قيس وليلى وعنترة بن شداد وعبلة ويصف لنا بالخطوط المرسومة على سطحه والانحناءات والهضاب والدوائر الصغيرة معنى اللقاء والارتواء والاكتفاء بالآخر عن العالم كله والغرق فى التفصيلات والاهتمام والإعداد والتجهيز لكل لقاء بحب وإتقان ورضا وانتظار ولهفة.
وقد اعتدنا منذ طفولتنا أن ننظر إليه ونجلس فى ضوئه بحثاً عن الونس والضوء الفضى المذيب لكل الآلام والأحزان الذى يدفع بالدفء والأمان والهدوء لقلوبنا وأجسادنا.
ودائماً ما كنا نُسمعه آخر وأحدث وأرق الألحان والكلمات التى كُتبت لتخلّد حكاوى القلوب وتمر الليالى والشهور ويولد مطلع كل شهر هلال يشبه ضحكة العذارى وخجلهم وسرعان ما يكتمل لينافس الجميلات فى استدارة وجوههن وفتنة ملامحهن وعيونهن وشفاههن وكلماتهن الناعسة ونغزات خدودهن وغمزات جفونهن.
وبالأمس رأيت دموع القمر وكانت هى المرة الأولى التى أرى ذلك المشهد الغريب. رأيتها تنساب فوق سطحه وترسم كرات سوداء أصابت ذلك الجمال، الذى اعتدناه مشرقاً مبهراً، بالعطب والانهيار.
فمن قسوة الأحداث وغرابتها وآثارها المرهقة المفزعة المتتالية المتزاحمة المتدافعة الثقيلة على النفوس من فقد للأحبة إلى تأجيل كل ما كان مقرراً له موعد ولقاء واحتفال، والحرمان من السفر أو العودة والتنقل وتوقف الدراسة ومعها مشروعات وأحلام وطموحات تتجمد إلى ما لا نهاية ويعرف العمل معانى عديدة لنصف الوقت وأقل، فتتحول المبانى إلى أبراج مهجورة يلفها البرد والإهمال وتختفى تجمعات الأهل والأصدقاء وزملاء الدفعة الواحدة وتمرينات السباحة واللياقة ومسابقات الطهى والمعلومات العامة وأوائل الطلبة وتختفى جماهير الكرة من المدرجات وتغلق الأندية والمقاهى ويتحول العلم من مدارس وجامعات ومعاهد وقاعات ومدرجات وكتب ومراجع وأوراق وأبحاث ورسائل علمية إلى هذا المخلوق الجديد (زوم) أون لاين.
ومع كل ذلك، ظهرت الآلام التى لم تعرفها البشرية من قبل، هجمات على جميع الحواس ومحاولات للتدمير وحرب شديدة القسوة ليست عادلة لأنها لا تخضع لقانون أو علم أو تكنولوجيا أو توقعات واحتمالات والبقاء فيها لا سبب له ولا مبرر، فقد اختفى المنطق ونظرياته ليظهر الجنون ويسيطر على كل شىء.
انهمرت دموع القمر ورأيتها فوق وجهه المستدير كامل الجمال والإضاءة والحياة والبريق، فبعد أن اكتمل واستدار واستعد للحركة ليعطى طريقاً وفرصة للمولود الجديد ليضىء الأرض فى الليالى المظلمة، فوجئ بما يحدث فانهمرت دموعه وكانت القصة التى يرويها لأول مرة مختلفة عن كل حكاويه.
دموع القمر تحكى ما يحدث وتسجل فوق صخوره التى اكتشفها العلماء عندما وصلوا إليه لأول مرة فى نهاية ستينات القرن الماضى أسماء من قدموا حياتهم لنبقى نحن، هى تسجّل وتكتب وتخفى فى الكهوف، التى شكلتها داخله الحمم البركانية المتراكمة منذ أكثر من ثلاثة مليارات عام، كما يقول علماء ناسا، قصة الحياة وسرّها وطريق الخروج من تلك الآلام وموعده.
فلنبقَ فى انتظار من سيصل لسطح القمر ويكتشف السر عله يوقف دموع القمر.