لا يمكن إنكار المشكلات المتعددة التى تواجه القطاع الصحى فى هذا الوطن على مر العصور.. ولكن بين كل تلك المشكلات يظل ملف الدواء هو العنصر الأكثر خطورة وتأثيراً.. وتظل مشكلة التسعير الدوائى هى الأزمة الحقيقية التى تحتاج إلى حل سريع وواضح..!
فى البداية ينبغى أن نعترف أن ملف الدواء فى مصر فى حاجة إلى نظرة شاملة.. فالدواء سلعة ذات طبيعة خاصة لا يمكن أن تخضع لمعايير السوق ولا لقواعد العرض والطلب.. ولا يمكن تركه لقوانين السوق الحر.. الأمر الذى جعل من الأمن الدوائى وتحقيقه هدفاً استراتيجياً.. ومصر كانت من أوائل الدول التى بدأت مبكراً فى تصنيع الدواء منذ النصف الأول من الألفية الماضية.. ولكن -وعلى الرغم من عراقة الأمر- فهى تعتبر من أكثر الدول التى لم تتمكن من تحقيق الاستقرار الدوائى حتى الآن.. وهو أمر لا يقل أهمية فى رأيى عن كل ملفات الأمن القومى المتداولة..!
والجدير بالذكر أن معظم دول العالم تمتلك نظماً مختلفة للتسعير الدوائى باستثناء بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية.. وهى سياسة يتم وضعها بعد دراسات قومية غاية فى الخصوصية لتحديد أسعار الأدوية المتوافرة فى الأسواق بالقياس إلى متوسط مستوى الدخل للمواطنين.. بالإضافة إلى ضمان توافر الدواء تحت هذا التسعير..!
ولا شك أن التسعير الدوائى يؤثر بشكل كبير على توافر الدواء.. فأصناف متعددة باتت تنقص باستمرار بسبب توقف الشركات عن إنتاجها، لأن المكسب المنتظر منها انخفض بشكل كبير بسبب ارتفاع سعر الدولار من وقت التسعير إلى الآن.. ما أدى إلى نقص حاد بها بالأسواق على الرغم من أهميتها الشديدة!!
أكثر من أربعة عشر ألف صنف دوائى مسجلة فى وزارة الصحة لا يخرج منها للأسواق سوى أربعة آلاف وثمانمائة صنف فقط.. لا توجد وسيلة قانونية أو تشريع واحد يلزم تلك الشركات بتصنيع كل أدويتها المسجلة.. ولا يوجد تحرك حكومى واحد حتى لإلغاء التسجيل!!
الأمر لا يحتاج لاختراع العجلة.. ولا يستلزم الكثير من التفكير أو التخطيط.. فالحل سهل ومتاح ولكن أحداً لم يفكر فى البدء فى تنفيذه حتى الآن لسبب لا أعرفه..!
الحل فى إعادة تقييم الأدوية المسجلة بالوزارة من جديد.. والتأكد من إنتاجها بشكل منتظم.. بل وبحث حالة تلك الأصناف التى لا يتم إنتاجها لإلغاء تسجيلها لصالح الشركة المنتجة لها من الأساس.. لتستفيد شركة أخرى من التسجيل والإنتاج بتسعير جديد..!
الحل فى إعادة تقييم وضع شركات الدواء الموجودة.. وإتاحة مهلة للشركات التى لا تمتلك مصانع للبدء فى بناء مصانعها الخاصة أو إغلاقها..!
الحل فى إتاحة إعادة التسعير لبعض الأصناف التى تطلب الشركات زيادة أسعارها بغرض التصدير، بشرط إلزام تلك الشركات بتصنيع كل الأصناف المسجلة باسمها بكميات محددة تكفى لإشباع السوق المحلى بشكل كاف.. وفى الوقت نفسه يتم منح شركات القطاع العام قبلة الحياة لتصنيع تلك الأصناف التى سيزيد سعرها لإتاحة الصنف للمرضى بسعر عادل ومناسب فى السوق المحلى..!
لا شك أن افتتاح الدولة المصرية لمدينة الدواء منذ أيام قليلة سيسهم فى هذا الأمر بشكل كبير، كما أنه سيتيح للمواطنين الحصول على احتياجاتهم من الدواء مع ضبط أسعاره ومنع الممارسات الاحتكارية التى تؤثر على سوق الدواء بشدة..!
كل ما سبق هى اقتراحات يسيرة وبسيطة.. لا أعتقد أنها تحتاج لتنفيذها سوى إرادة واضحة من القائمين على هذا الملف.. أو هكذا أعتقد!