استخدم وصف «كُتِبَ» فى سورة البقرة ثلاث مرات للإشارة إلى ثلاثة أحكام مُلزمة للمسلمين.
أولها حكم القصاص فى الآية الكريمة: «يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم القصاص فى القتلى»، لأن ترك القاتل يرتع فى الحياة دون قصاص سيغريه بتخريب الحياة نفسها، لذلك جعل الله تعالى القصاص أداة لحماية الحياة.
ثانيها حكم الصيام فى الآية الكريمة: «يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».
فالحرمان له ألمه ووقعه المرهق على النفس. والصيام مشقة حقيقية حيث يفرض على الإنسان الحرمان من احتياجاته الحسية على مدار عدد معين من ساعات اليوم امتثالاً لأمر الله. هذا الامتثال هو الذى يولّد فى النفس التقوى، حين يهدأ جسد الصائم وتستنيم حواسه لتأخذ الروح فرصتها كاملة فى التحليق والفرح.
أما ثالث الإشارات باستخدام لفظة « كُتِبَ» فى سورة البقرة، فقد جاء فى آية القتال ونصها: «يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون».
شرّع الله تعالى القتال كأداة لنصرة المظلومين والمستضعفين فى الأرض، لكنه حرّم الاعتداء «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين».
فالمسلم لا يعتدى وقتاله دفع للظلم والاعتداء الذى يقع عليه، سواء كان هذا الاعتداء حاصلاً أو متوقعاً، ففى حالة حصول الاعتداء، فمن واجبه أن يدافع عن نفسه، أما فى حالة توقعه فعليه أن يتحرك ويستبق كإجراء احترازى أو استباقى فيما يُعرف بالحروب الوقائية ليحمى نفسه من اعتداء لم يقع بعد ولكن يتم الترتيب له من جانب عدو.
القتال حالة لا تفضلها النفس. فالنفس الإنسانية تؤثر العيش فى استقرار وسلام وهدوء وسكينة، لذلك فالقتال حالة كريهة: «وهو كرهٌ لكم»، فثمة أشياء فى الحياة يمكن للنفس أن تمجها أو ترفضها، لكن صالحها يكون فيها.
أشياء ومواقف عديدة يواجهها الإنسان فى الحياة وتقابلها نفسه بالكراهية والضيق والضجر والتبرم، ويحاول أن يهرب من مواجهتها، لكنه يدرك فيما بعد أن خيره فيها رغم كراهيته لها.
وهناك فى المقابل أشياء ومواقف يفرح بها الإنسان ويحب أن يلقاها، رغم أن الشر يكمن فيها، ويحيط الضرر بها من كل جوانبها.
عدم إحاطة الإنسان بمستقبل الأشياء والأحداث ومآلاتها وجزعه من القادم أحياناً ما يهز نفسه ويصدها عن المواجهة. والعاقل من يسلم نفسه –فى مثل هذه المواقف- لله تعالى، فهو سبحانه يعلم خطوط الزمن ومساراته، أما الإنسان فعلمه قاصر عن الإحاطة إلا باللحظة التى يحيا فيها.
هذا الدرس يجب أن نسترجعه ونستدعيه فى المواقف التى نواجه فيها أزمات وجودية تهدد حاضرنا وتنذر بهد مستقبلنا. ليس لجيل يحيا مثل هذه اللحظات أن يتلكأ أو يتراخى عن حسم موقفه.
إن التلكؤ أو التراخى فى مثل هذه اللحظات سيضع فى رقبة الجيل الذى يحيا اللحظة كل الأوزار والمصائب التى ستحيق بالأجيال التالية.
مثل هذه اللحظات لا بد أن تكون لحظات انتباه.. والمكتوب ليس منه مهروب.