بعد 51 عاما.. مصابو مدرسة بحر البقر يروون تفاصيل المذبحة الإسرائيلية
يمر اليوم 51 عاما على المذبحة الإسرائيلية التي ارتكبتها إسرائيل بحق تلاميذ مدرسة بحر البقر الابتدائية حيث استهدف الطيران الإسرائيلي المدرسة بالطائرات العسكرية صباح يوم 8 أبريل عام 1970، ما أسفر عن استشهاد 19 طفلا من طلاب المدرسة و11 من المدنيين فيما أصيب 50 آخرين.
«الطيران كان قريب جدا من المدرسة والصوت أفزعنا وفي ثوان معدودة تم إطلاق القذائف على المدرسة» بتلك الكلمات بدأ «أحمد علي الدميري»، 58 عاما أحد المصابين في المذبحة الإسرائيلية آنذاك حديثه، وتابع قائلا: «في صباح يوم 8 أبريل 1970 استيقظت من النوم مبكرا وارتديت ملابس المدرسة وأعطتني والدتي ساندويتش بشرائح الجبنة، ثم توجهت إلى منزل صديقي (أحمد عبدالعال) واصطحبته إلى المدرسة كعادتنا دائما حيث اعتادنا على الذهاب للمدرسة والعودة للمنزل إلا أن هذا اليوم فقدت صديقي للأبد».
وتابع: «قبل القصف بثواني سقط قلمي الرصاص على الأرض فانحنيت أسفل المقعد الدراسي وحدث القصف في هذه اللحظة.. أصيبت في القصف وتم نقلي إلى مستشفى الحسينية المركزي وأصبت بغيبوبة لمدة نحو شهر وبعد استعادتي الوعي وبدأت التحدث سألت عن صديقي فأخبرني والدي أن المدرسة تعرضت لقصف بالطيران الإسرائيلي واستشهد صديقي أحمد وآخرون» .
واستطرد قائلا: «على الرغم من أنني كنت صغيرا في السن إلا أنني كنت أعلم أن إسرائيل محتلة لسيناء وقرية بحر البقر تبعد عن قناة السويس التي كان يقترب منها العدو بمسافة نحو 15 أو 20 كيلو متر وأثناء حرب الاستنزاف تعودنا على طيران الغارات الإسرائيلية، وكانت بحر البقر مقرا للأهالي الذين أقاموا فيها آنذاك بعدما منحهم الرئيس عبدالناصر 5 أفدنة من أجل استصلاحها وزراعتها وكانوا يقمون بعمل خنادق أمام منازلهم للاختباء بها أثناء الغارات، وكنا نفعل مثلهم أنا ووالدي وشقيقتيّ».
وأضاف: «وقت ضرب المدرسة اختلف صوت الطيران عن الغارات حيث كان الصوت قريب جدا من المدرسة وكأن الطائرات كادت تدخل الفصول، الصوت أفزع الأهالي في قريتهم بحر البقر 2 وفي القرى المجاورة».
وأوضح انه اصيب في الرأس والوجه وقام الرئيس الراحل محمد أنور السادات وكان نائب رئيس الجمهورية آنذاك بزيارة المصابين في مستشفى الحسينية المركزي وأيضا عدد من المسؤولين والفنانة الراحلة أم كلثوم ووفود عربية وأجنبية.
ولفت إلى أنه بعد تماثله وزملاءه للشفاء تم اصطحابهم إلى نادي الجزيرة في القاهرة لقضاء فترة من الوقت للتخفيف عليهم من آثار الحادث الذي تعرضوا له ثم نظمت لهم عدة رحلات لعدد من الدول الأوربية حيث تم تقسيهم إلى مجموعات كل مجموعة تضم 4 تلاميذ، مشيرا إلى أنه وزملاؤه «السيد جمعة وأمينة عبدالرحمن وليلى دنيال»، توجهوا إلى ألمانيا الشرقية بينما زار آخرون بلغاريا والاتحاد السوفيتي ثم عادوا جميعا بعد إعلان وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وقال سيد عبد الرحمن، أحد المصابين في المذبحة: «رغم مرور السنوات الطويلة على المذبحة إلا أنها مازالت ذكرى مؤلمة لجميع أهالي القرية الذين يتناقلون أحداثها من جيل إلى آخر». ومضى قائلا: «كانت مذبحة بشعة ولم يخل بيت في القرية من شهيد أو مصاب سواء كان من الأطفال أو المواطنين».
وأشار إلى أنه كان من ضمن المصابين في المذبحة وسافر مع 3 من زملاءه إلى بلغاريا برفقة مترجمة مصرية حيث زاروا عدد من الأماكن الترفيهية ونقلت المترجمة ما حدث لهم إلى هذه الدولة ثم عادوا إلى مصر، وطالب الجهات المختصة بالاهتمام بمصابي المذبحة وأسر الشهداء وصرف معاشات التضامن لمن لا يتقاضون معاشات منهم.
وأوضح «محمد عطية سليمان»، أحد شهود العيان أنه وقت المذبحة كان عمره نحو 22 عاما: «كانت الساعة نحو التاسعة صباحا وكنت متوجها إلى الأرض الزراعية وفوجئنا بقذائف الطائرات الاسرائيلية تسقط على المدرسة والأراضي الزراعية المحيطة بها وبعد توقف القصف سارع الأهالي بالتوجه إلى المدرسة ووجدوا عدد كبير من الأطفال قد استشهدوا ومنهم من تحولت جثامينهم إلى أشلاء كما استشهد مواطنون آخرون وأصيب 50 آخرين». لافتا إلى أن الدماء كانت متناثرة في جميع أرجاء المدرسة التي تدمرت بالكامل وأيضا في المناطق المحيطة بها، وأردف: «قمنا بوضع الأطفال المصابين في مقطورة جرار زراعي وتم نقلهم إلى مستشفى الحسينية المركزي والتي تبعد عن القرية نحو 20 كيلو متر».
وفي السياق نفسه، قام الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لمذبحة شهداء مدرسة 2 بحر البقر وذلك تخليدًا لذكرى الشهداء من أبناء القرية، وتكريماً لدماء التلاميذ الطاهرة التي روت أرض الوطن وكانت بمثابة القوة الفاعلة لتحقيق انتصارات حرب أكتوبر 1973 واسترداد ارض سيناء.
وافتتح الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية، أعمال تطوير متحف شهداء مدرسة بحر البقر الإبتدائية التابعة لإدارة الحسينية التعليمية. وتفقد المحافظ مقتنيات المتحف والتي تضم بقايا الأدوات المدرسية من (سبورة – تخت مدرسية)، بالإضافة إلى متعلقات التلاميذ من "كراريس" و"كشاكيل" و"أقلام" و"مريلة" مدرسية ملطخة بالدماء،
وأشاد المحافظ بطريقة العرض المتحفيه الحديثة والتي تتلائم وتتماشى مع ما هوموجود في المتاحف المصرية وذلك بعد أن تم وضعها بصناديق عرض زجاجية محكمة الغلق لتأمينها والحفاظ عليها من العوامل الجوية.
وقال محافظ الشرقية أن الثامن من إبريل من كل عام، يذكرنا بدماء الأطفال الذكية التي سالت على أرض هذه القرية، والتي كانت الدافع الرئيسي لعودة الكرامة المصرية والعربية، وتحقيق انتصار حرب أكتوبر المجيدة، التي أنهت الأسطورة الكاذبة لجيش الاحتلال الصهيوني المتغطرس.
وأشار المحافظ إلي أن بلادنا تشهد اليوم عبورا استثنائيا جديدا بإطلاق المبادرة الرئاسية لتطوير الريف المصري حيث تم اختيار 41 قرية و 740 تابع وعزبة بمركز الحسينية لأعمال التطوير وتغيير الحياه للأفضل .