«الكومبارس» بعد الثورة: بنبيع جرايد ونلمع أحذية
منذ أيام قليلة نظم كومبارس السينما والمسرح وقفة احتجاجية أمام وزارة القوى العاملة مطالبين الوزير بالعمل على إنشاء نقابة للحفاظ على حقوقهم، ففى عالم «الكومبارس» تستوقفنا مشاهد كثيرة.. مشاهد تصيب بتصلب الشرايين وارتفاع الضغط.. وجوه قادرة على فرض الابتسامة لكنها تعيش فى محنة دائمة.. يجلس العشرات مساء كل يوم على مقهى «بعرة» الشهير فى وسط البلد ساعات طويلة أملا فى دور صامت أو متكلم يضمن لهم العودة إلى بيوتهم بنقود تكفى لمواجهة مرارة الحياة..
رغم انخفاض الأجور وإرهاق العمل يتعامل «الكومبارس» بمتعة غريبة مع الفن.. كل واحد يرى فى نفسه ممثلا كبيرا.. يحمل صوره مع كبار النجوم، يستعرض إنجازاته وعلاماته ولديه أمل أن تضحك له الأيام وتدفعه إلى الأمام.. ذهبت على مدار يومين إلى «المقهى» للاقتراب من مشاكل الكومبارس.. واكتشفت أن كثيرا منهم هجر الفن وحلم النجومية إلى عمل آخر شريف.. إما بيع الجرائد وإما تلميع الأحذية.. تدهورت الأحوال وضرب الكساد سوق الكومبارس.. ورغم ضيق السبل وتراكم المحن يتمنى الجميع أن تنتعش الظروف بعد انتخابات الرئاسة ويشملهم التغيير.. فتتحسن أوضاعهم ويضمهم مشروع علاج.
«الوطن» ترصد فى هذا التحقيق أحوال الكومبارس بعد الثورة..
فى الموضوع تحدث حسن أحمد عبدالسلام الشهير بـ«حسن كفته» قائلا: «أبلغ من العمر 72 سنة وأعول أسرة مكونة من زوجة و9 أولاد ومصدر دخلى الوحيد هو عملى «كومبارس» وأعترف بأننى وزملائى نعانى بسبب ضيق الحال وصعوبة العيش.. كنت أتوقع مثل عدد كبير من زملائى بأن الأحوال سوف تتحسن وسوق الإنتاج الدرامى والسينمائى سوف تنتعش لكن بكل أسف حدث كساد لفترة طويلة وفضل عدد كبير من المنتجين متابعة المشهد من بعيد انتظارا لاستقرار المشهد السياسى.. واضطر كبار النجوم إلى تخفيض أجورهم تضامنا مع المنتجين الذين غامروا بالإنتاج فى ظل ظروف صعبة.. وبالطبع ألقت الأحداث بظلالها على حال الكومبارس وفكر المخرجين فى الاستغناء عن المجموعات للتوفير فى ميزانية الإنتاج.. كل هذه الظروف دفعت عددا كبيرا من العاملين فى الكومبارس إلى البحث عن عمل بديل».. ويواصل «حسن كفتة» كلامه: «كنت واحد من الناس الذين أحكم الفقر قبضته عليهم وبعد تفكير طويل قررت العمل كبائع جرائد.. فى البداية كنت أشعر بالكسوف لأن ناس كثيرة تعرفنى وتظن أننى غنى وأمتلك سيارة خاصة وأننى وقفت أمام نجوم كبار أمثال عادل إمام ومحمد سعد وهنيدى.. وبصراحة شديدة أشعر بالحزن من حالى لكن ما باليد حيلة».. ويضيف «حسن كفتة»: «أجر الفرد 40 جنيها فى اليوم وفى أحيان كثيرة يشتمل هذا الأجر على وجبة غداء، كثيرا طالبنا بالانضمام إلى نقابة الممثلين وكثيرا ناشدنا الجهات المعنية فى الدولة التأمين على الكومبارس وعمل مشروع علاجى نعتمد عليه عندما يعرف المرض طريقه إلى أجسامنا الضعيفة لكن لا أحد يستجيب لاستغاثتنا المستمرة».
• ويلتقط إبراهيم القلماوى خيط الحديث ويعلق على الأوضاع السيئة التى يمر بها الكومبارس: «فى أحيان كثيرة يعمل الفرد يوما كاملا فى الشمس بـ40 جنيها ولا يسأل عنه المنتج بطعام، وبعد الثورة ازدادت الأوضاع سوءا ولجأ عدد من الكومبارس إلى العمل بمهنة مسح الأحذية بحثا عن مال حلال يسد به لوعة جوع أطفاله.. ويتعرض الكومبارس لاستغلال مجموعة من السماسرة حيث نعانى من عدم الحصول على الأجر كاملا.. كل الأشخاص الذين يحملون فرص العمل تحولوا إلى سماسرة ويقتسمون الأجر مع الكومبارس.. يوما بعد يوم تزداد الأوضاع سوءا فأنا أعمل منذ 7 سنوات فى هذا المجال وأجد صعوبة بالغة فى توفير احتياجات أسرتى.. وبصراحة نعانى كثيرا من تعالى النجوم علينا وكأننا حشرات بلا ثمن.. عدد قليل جدا من نجوم الصف الأول يتعامل معنا بإنسانية شديدة مثل محمد سعد والفنان المحترم هانى رمزى.. نأمل فى الانضمام إلى نقابة المهن التمثيلية والاعتراف بنا كفنانين لهم قيمة ورصيد فى قلوب الناس.. بدون الكومبارس يخرج أى عمل فنى مشوها وبلا معالم.. نحتاج أن نشعر بقيمتنا لأننا نحب الفن ولا نتعامل معه على أنه وسيلة لمصدر دخل فقط».
• ويقول عادل قاسم: «نحن أصبحنا فريسة سهلة لمجموعة من السماسرة الذين يرتبطون بعلاقات قوية مع أصحاب شركات الإنتاج، فلا يحصل أى فرد على أجره كاملا.. يأخذ السمسار الذى يحمل فرصة العمل نصف الأجر نظير توفير الفرصة.. وهذا المناخ أدى إلى ابتعاد عدد كبير من الكومبارس عن العمل فى المجال الفنى والعمل بمهن أخرى مثل النقاشة والبناء والميكانيكا.. وقد طرقنا الأبواب لعمل نقابة خاصة بنا أو الانضمام إلى نقابة المهن التمثيلية لكن بكل أسف بلا جدوى.. الشىء العجيب أن النقابة تضم فى عضويتها الراقصات ولا تضم الكومبارس، وليس هذا الرأى استهانة بالراقصات لكنه إشارة إلى أننا أيضاً نستحق الانضمام للنقابة.. كثير من الكومبارس مات من شدة المرض وعدم القدرة على شراء العلاج وكثير من الكومبارس فضل التسول عن ذل البحث عن فرصة عمل مع منتج بلا قلب».
• ويؤكد فكرى نصر البالغ من العمر 75 عاما أن الحال يوما بعد يوم يزداد سوءا ولا أحد يلتفت لقيمة الكومبارس.. نحن فى حاجة ماسة إلى الرعاية وفى حاجة لمشروع علاج وتأمين اجتماعى.. وكل أوضاعنا المالية تحتاج إلى إعادة نظر ونأمل فى أن تصدر قوانين فى مصر الجديدة تجبر المنتج على التأمين على الكومبارس حفاظا على حياته فهناك عدد كبير من الزملاء رحلوا أثناء العمل ولم يجد أولادهم معاشا أو مساعدة مالية يعتمدون عليها فى مواجهة واقع الحياة المر.. الكومبارس ناس تستحق الحياة وليسوا عرائس خشب».
• رصدنا حال الكومبارس بهدف إلقاء الضوء على الظروف الصعبة التى يمرون بها.. والتى دفعت فريقا منهم إلى التسول وبيع الجرائد وتلميع الأحذية.. كلها مهن شريفة لكن لماذا لا يتبنى النقيب أشرف عبدالغفور أحلام ومطالب بسطاء وقعوا فى غرام الفن وقرروا الرهان على دور صامت فى مشهد سينمائى أو دور متكلم يأتى بعد عناد طويل مع الأيام.