يعرف لاعبو كرة القدم ومشجعو الساحرة المستديرة مفهوم الـ«come back» جيدًا، في كل الليالي الكروية الصعبة ينتظر اللاعبون والجماهير تحقيق تلك المعجزة، أن تأتي من بعيد بعد أن تأخرت كثيرًا لتحرز تقدمًا يحسم المباراة لصالحك؛ فتنتقل من مربع الهزيمة إلى مربع الفوز في توقيت مثالي قبل إطلاق صافرة الحكم.
أعظم المباريات في التاريخ غالبًا تنتهي بتحقيق «come back» لم يكن متوقعًا.. لكنَّ ذلك لا يقتصر على ملاعب الكرة فحسب، في ملاعب أكثر خطورة مثل السياسة والاقتصاد والحرب قد يكون الأمر مشابهًا في بعض الأحيان!
مباراة مصر التي بدأت في 2011 واحدة من تلك المباريات التاريخية التي شهدت «come back» عظيمًا، لم يكن متوقعًا للخصم، وربما لم يكن متوقعًا لبعض الذين يقفون في صفوف الفريق المصري أيضًا.
بدأت المباراة بأحلام وتطلعات كبيرة مع صباح 25 يناير 2011، لكنَّ هذه الأحلام والتطلعات سرعان ما تحولت إلى صدمات حقيقية متتالية؛ حيث تلقت مصر في شباكها أهدافًا من الخصوم، وتلقت أهدافًا عكسية من بعض أبنائها أيضًا. انتهى الشوط الأول من المباراة بخسارة فادحة على كل المستويات: تراجعت معدلات النمو، وانخفض الاحتياطي الاستراتيجي، وانسحبت مصر خارجيًا، وانتشر العنف والفوضى داخليًا، وسيطر الإخوان على الملعب تمامًا!
شوط المباراة الثاني بدأ مع ثورة 30 يونيو، كان بيان «3 يوليو» بمثابة هدف فارق في مسار المباراة، لم يتحقق الفوز بعد، لكن الآمال عادت من جديد. بعد هدف «3 يوليو» واجهت مصر عددًا هائلاً من الهجمات المرتدة الإرهابية في محاولة لإفساد فرحة الهدف وتعطيل المسار الذي اختاره المصريون: استهداف منشآت عسكرية ومصالح اقتصادية ودور عبادة وقطع للطرق وضرب للسياحة وترويع للآمنين.
لكنَّ مصر -برغم رد الفعل العنيف- لم تستسلم، ولم تعد إلى الخلف، بل واجهت بشجاعة وواصلت طريقها الذي اختارته وتمكنت من عبور السنوات الصعبة ببذل كثيرٍ من الدم والعرق.
هدف «3 يوليو» كان الأول، لكنه لم يكن الأخير، فاستطاعت الدولة المصرية بعد صد موجة الإرهاب التي استمرت لأكثر من عام، أن تحرز أهدافًا جديدة. لم تكتف مصر بتعديل النتيجة، ولم ترض بالتعادل الإيجابي، بل تمكنت من إحراز هدف الفوز، وتمكنت أيضًا من تعزيزه بأهداف أخرى في شباك مختلفة على أرضها، وخارج الأرض أيضًا.
راهن البعض على خسارة مصر، وراهنت مصر على فوزها رغم كل ظروف المباراة الصعبة والتحكيم غير العادل والشغب الجماهيري الذي كان يلمؤ المدرجات.
تحقق لمصر رهانها، واستطاعت أن تنتقل خلال 10 سنوات من معركة البقاء حيث الدفاع عن حقها في الوجود إلى معركة البناء حيث الدفاع عن حقها في المستقبل، وأن تنتقل من التشكيك في هويتها إلى تثبيت هذه الهوية ورسمها على ميادينها ومتاحفها ومواكبها التي أبهرت العالم، وأن تنتقل من مساحة رد الفعل المتأخرة بخطوات إلى مساحة اليد الطولى التي ترسم الخطوط الحمراء لكل طامع أو مغتر أو مختل.