إذا افترضنا أن الموهبة والإتقان يرتبطان جدلاً بالاجتهاد والمسئولية، فإن التفوق والوصول إلى رقم واحد فى أى عمل أو وظيفة أو مهنة يرتبطان أيضاً بالأخلاق والسلوك والثقافة والتربية وتحمل المسئولية، لأنك كى تكون «نمبر1»، فهذا يحملك مسئولية أدبية كبيرة تجاه نفسك والآخرين، حتى لا تجد نفسك تنزلق فى دوامة الغرور، الذى يفصل بينه وبين الإبداع خيط رفيع، قد ينقطع فى أية لحظة وينهار كل شىء. العمل مسئولية والشهرة مسئولية أكبر، الخطوة محسوبة، والتصرف الأخرق يجنى على صاحبه، والغرور هو بداية الفشل.
لعنة الغرور تصيب ضعاف النفوس وأنصاف الموهوبين، فالغرور سلوك مصدره شعور بالنقص، وليس ثقة بالنفس، وهى ظاهرة منتشرة فى الوسط الفنى بسبب الإقبال الجماهيرى الشديد على كل من يظهر نفسه مختلفاً عن الآخرين لجنى الأموال والشهرة، على حساب شرف المهنة وقواعدها، وقد ساهمت السوشيال ميديا فى ذلك بامتياز، وسهلت نسج هالة من التكبر وتضخم «الأنا» غير المبرر، وأصبحت للفنان أهداف وصفات لم تكن موجودة فى زمن الفن الجميل، الذى كان يحترم جمهوره ويقدس فنه، ويجتهد كى يصنع المجد والشهرة، ويضحى فى سبيل ذلك بصحته وراحته من أجل الارتقاء بما يقدمه، دون المساس بأخلاق المهنة أو التشهير لاكتساب المزيد من الجماهيرية ولفت الأنظار إليه.
لقد حبا الله البعض الموهبة والقبول، فأساءوا استخدامها، وجلبت عليهم اللعنة والأزمات، معتقدين خاطئين أنها ضريبة الشهرة لأنهم «نمبر1» على الساحة الفنية! والسؤال: على أى أساس يقيِّم الفنان نفسه ويمنحها ألقاباً هى دون الحقيقة؟! ليس بالموهبة وحدها تعيش السيرة وتترك أثراً للأجيال يُحتذى بها فيما بعد، غير أن محدثى النعمة الذين أغرتهم شهوة المال والشهرة والأضواء، تناسوا ماضيهم وتكبروا عليه وتجاهلوا أبسط قواعد القيم المهنية التى أوصلتهم إلى ما هم عليه، بل لم يحافظوا على ما وهبهم الله من نعم، وبدلاً من التواضع والإصغاء للنصيحة والتوقف برهة بعيداً عن «الأنا» ليتأملوا خلالها كيف وصلوا لما هم عليه، أخذتهم العزة بالضلالة، وتجاهلوا صوت العقل والرشاد، وتمادوا فى غيهم، ووسوس لهم غرورهم المقيت بالتمادى إلى حد التطاول والتفاخر بما ليس فيهم، وتناسوا أن الذى وهبهم تلك النعم قادر على سلبهم إياها فى لحظة.
إن افتعال الأزمات بدافع المزيد من تسليط الضوء والشهرة، جعل من أحدهم حديث الساعة، والرأى العام، ومواقع التواصل الاجتماعى، ورغم أن تلك الجلبة المثارة حوله ربما تكون قد ضاعفت من إحساسه بالتفاخر، إلا أنها خصمت من رصيده الكثير، أولاً لدى جمهوره الذى يتباهى به، وهو مصدر قوته، لأن له الفضل فى المكانة التى وصل إليها، ثانياً لدى المحيطين به خاصة من زملائه الذين نالهم نصيب من الأذى الذى تسبب به لهم، دون احترام الحد الأدنى من المعايير المهنية والأخلاقية، والحفاظ على الخيط الرفيع الذى يفصل بين الثقة والغرور، الصراحة والوقاحة، الرأى والتحريض، فالفرق بين الحكم الحاد والرأى اللطيف هو «الاحترام»، لأن القلوب لا تكسرها الكلمة فقط، لكن السلوك والوعى والتواضع والإحساس بالآخر هى من سمات النجاح والنضوج والألق.. وقديماً قالوا: «كانوا فى جرة وطلعوا لبرة»!.