أسفرت الفوضى المتراكمة، التى حدثتك عن بعضها، عن موقف تربصى لم يعد خافياً على المراقبين، ولعل من تعبيراته الخطوات المتلاحقة التى اتخذها رئيس الإخوان. فإثر العمليات الصحفية التى أزاحت ووسدت بالصحف القومية رؤساء تحرير من الإخوان أو من الموالين لهم، وبات للصحافة القومية موقف كان بالطبع حصاد هذه التغييرات، ويدين لها بالولاء والمساندة.. تلتها تغييرات مقصودة بوزارة الداخلية، ثم قرارات عفو متتالية أصدرها الرئيس شملت محكوماً عليهم من الإخوان، فضلاً عن محكوم عليهم بأحكام نهائية فى قضايا محل نظر، وشملت فيمن شملت تجار سلاح وذخائر، وجانحين مدانين فى جرائم خطيرة، ولم يقترن بإصدار العفو عنهم بحوث أمنية تستطلع مدى خطورة إطلاق سبيلهم على الأمن العام للبلاد، وقد ظهرت للإفراج عن بعضهم بوادر غير طيبة لم ينج رئيس الجمهورية الإخوانى نفسه من طلقات طائشة أطلقها صوبه السيد/ وجدى غنيم قبل أن يجف مداد توقيع الرئيس على قرار العفو عنه، وتزامن مع خروج هذه الأرتال عمليات عنف جرت هنا وهناك، حملت مؤشرات دلالات غير طيبة، ووصل بعضها إلى حد اتهام بعض المعفى عنهم، حددت بعض المصادر أسماءهم، فى حادث رفح الذى استشهد فيه سبعة عشر من صف الضباط والجنود المصريين.
تزامن مع هذه المتلاحقات، زيارة أمير قطر الذى تثار تحفظات مصرية على أهدافه وأهداف ومشاريع قطر وأغراضها فى مصر، ولم ينه زيارته إلاّ بإطلاق تصريح أنه سيودع مليارى دولار كوديعة بالبنك المركزى، ودعنا من أنه لم يودع سوى خمسمائة ألف، فقد كان القصد هو البشارة الأميرية القطرية فى تلك الأيام، التى كان من المفارقة ولكنها لافتة أنها قد اقترنت بعنف من نوع جديد، جرى فيما بدا أنه من أتباع الإدارة، ضد الإعلاميين على أبواب مدينة الإنتاج الإعلامى، وآخر مورس على المتظاهرين ضد الرئيس عند المنصة والمقر الرئاسى، صاحبه نزع الملابس والتعليق على الأشجار وأعمدة الإنارة!!!
أيام وأصدر رئيس الإخوان، فى 12 أغسطس 2012، قراراً أطلق عليه من عندياته أنه إعلان دستورى، ونشر بذات اليوم بالجريدة الرسمية (العدد32 مكرر)، وتضمن هذا القرار الجمهورى الذى لم يرد بديباجته أى مرجعية دستورية أو قانونية تعطى الرئيس سلطة إصدار إعلان دستورى، ولا ما تضمنه هذا الإعلان الدستورى من قرارات بالغة الأهمية بل والخطر، فقد ألغى الإعلان الدستورى المكمل، ومنح نفسه كافة السلطات المقررة فى المادة 56 من الإعلان الدستورى 30 مارس 2011، وفى مقدمتها سلطة التشريع، ليجمع الرئيس فى يده فى سابقة غير مسبوقة، بين السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، ومن هذه السلطات، سلطة العفو عن العقوبة أو تخفيفها، مع أن قرارات العفو كانت قد صدرت بالفعل بلا مرجعية ولا سند قبل هذا القرار الجمهورى الصادر 12 أغسطس 2012، كما تضمن هذا الإعلان الدستورى المخالف للقانون وللمبادئ الدستورية، أن تكون للرئيس وحده ودون سواه، سلطة تشكيل الجمعية التأسيسية إذا ما قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية الحالية لعملها. وهذا، مع سلطة التشريع التى اجتمعت مع السلطة التنفيذية بيد الرئيس، هو بيت القصيد!!!
وفضلاً عما أوردتُه سلفاً من أسباب بطلان قرار تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، واطمئنانى لرؤيتى وسداد أسبابى سواء فيما لابس قرار التشكيل من صدوره ابتناء على قانون لم يصدر، أم لاختياره أعضاءً من مجلسى الشعب والشورى خلافاً لحكم محكمة القضاء الإدارى الذى أدى إلى فض الجمعية التأسيسية الأولى، أم لما لحق عملية استعواض بدلاء المنسحبين والمعتذرين من تعطيل وتضارب بسبب عدم وجود مجلس الشعب الذى كان منوطاً به هذا العمل، فإن هذا الأمر أدى إلى تقلص عدد الجمعية إلى 89 عضواً بدلاً من مائة كنص المادة 60 من الإعلان الدستورى 30 مارس، فضلاً عمّا أدى إليه تشكيل الوزارة وتعيين مساعدين وهيئة استشارية للرئيس من قيام التعارض لعشرة آخرين من أعضاء الجمعية التأسيسية بين مقتضيات المناصب التى عينوا فيها بالحكومة أو إلى جوار الرئيس، وبين واجباتهم فى الجمعية التأسيسية ومهامهم فيها وما تقتضيه من تجرد!
أقول إنه رغم ذلك، لم يكن معروفاً ما سوف تحكم به محكمة القضاء الإدارى بشأن قرار تشكيل الجمعية التأسيسية، وما لحق تشكيلها بعده، ولكن الذى لا خلاف عليه أنه إذا صدر الحكم برفض الدعوى واستمرار التأسيسية، فإن ذلك سيضع الدستور القادم أمام العوائق والمعضلات الناجمة عمّا ذكرته، وأنه فى حالة الحكم بقبول الدعوى ووقف قرار تشكيل الجمعية التأسيسية، فإن ذلك سوف يفتح أبواباً لن تنغلق للجدل حول سلطة الرئيس فى أن ينفرد وحده دون سواه بتشكيل التأسيسية الجديدة إعمالاً للسلطة التى منحها لنفسه بالمادة الثالثة بالإعلان الدستورى الذى أصدره فى 12 أغسطس بلا مرجعية دستورية أو قانونية!!
فقد نصت المادة الثالثة من هذا الإعلان الدستورى، على أنه فى حالة قيام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها، يشكل رئيس الجمهورية وحده خلال خمسة عشر يوماً جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع بعد التشاور مع القوى الوطنية لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر.. إلخ.
فهل كانت المقدمات التى طفحت فى تلك الفترة الأخيرة، تبشر بإمكانية قيام تشاور حقيقى فاعل مع القوى الوطنية لإنجاز هذا الاختيار فى حيدة وتجرد، وهل سيغلب الإخلاص لمصر على الانحيازات الحزبية أو الطيفية، ويتوافق رئيس الإخوان توافقاً حقيقياً مع أطياف المجتمع الوطنى على اختيار جمعية تأسيسية تعبر عن مجمل المصريين وتضم كفاءات حقيقية عالمة عارفة خبيرة قادرة على صناعة الدستور وأداء هذه المهمة الجليلة بوضع دستور يليق بالبلاد ويصلح لحكم مصر وتسيير دفتها فى أمان فى السنوات القادمة؟! الجواب معروف!!!