ضيف عزيز يحل على الأسر كل عام.. يتقاسم معهم بعد الإفطار أكواب الشاى وبهجة اللمة التى تميز دفء ليالى رمضان، حتى فرضت الدراما وجودها لتصبح ضمن الطقوس المحببة فى الشهر الكريم. إطلالة هذا العام قطعاً تحمل ملامح مختلفة بدأت خطوطها فى الظهور. أبرز ما أكسب الدراما مذاقها الخاص أنها تجاوزت مرحلة الترفيه -وهو عنصر مطلوب يمثل أحد عناصر هذا الفن- لتكتسب مساحة أكبر كنمط يسود مختلف مظاهر الحياة. كسرت حاجز المعادلة القادرة على أن تجعل من الفن، تحديداً هذا اللون الحميم، وطناً. الدور ليس مستحدثاً، إذ طالما قامت الفنون خلال الخمسينات والستينات بدور ريادى فى تعبئة وشحن الشعور الوطنى العام، الآن فى ظل تحديات قد تفوق فى خطورتها الماضى بعدما أطلقت مصر جرس الإنذار المدوى يوم 30 يونيو 2013 وكان ضمن أهدافه توحيد الموقف العربى لمواجهة تهديدات تكاد تعصف باستقراره.. فى هذا المناخ كان لا بد من تجاوز الشق الإبداعى للفنون إلى أبجديات الوطنية والانتماء بفكر وإنتاج يقترب من أرض الواقع ولا يكتفى بالتغنى فى عشق الوطن.
التغيير الذى حملته دراما رمضان كان منتظراً منذ أعوام، وعبء الارتقاء بخريطة الإنتاج الذى نجحت «المتحدة للخدمات الإعلامية» (سينرجى) فى تنفيذه بامتياز أضفى على الفن رمز الوطن الذى نلتف حوله.
«الاختيار2» وهو يستعيد مع المشاهد ذكرى أبطال لم يجدوا أغلى من أرواحهم ثمناً كى ننعم بوطن مستقر، تنتقل أحداثه هذا العام إلى موقع كان مسرحاً لمخطط شيطانى من عصابة «طز فى مصر» التى أرادت تقسيم مصر إلى دولتين لولا استجابة القيادة السياسية إلى صرخات سكان مدينة نصر نتيجة الإرهاب والبلطجة التى تعرضوا لها فى منطقة رابعة العدوية على يد أفراد هذه العصابة، وتدخلت لفضّ بؤرة العنف ومخازن أسلحتها بعد فشل كل المفاوضات. إيقاع «الاختيار2» عكس تعبيراً صادقاً عن المرحلة التى صاغها المؤلف هانى سرحان.. حركة الكاميرا وسرعة الانتقال بين الأحداث للمخرج بيتر ميمى نجحت أولاً فى نقل واقع الحالة الشعورية التى كانت السمة الغالبة على المشاهدين أثناء التوقيت الفعلى لأحداث المسلسل وهم يتابعون بلهفة وقلق مسار ثورتهم لاستعادة الوطن من قبضة من صوّر لهم الوهم قدرتهم على اختطافه.. ثانياً، عكست أولوية عوامل السرعة والدقة فى عمل جهاز الشرطة، فالدقيقة الواحدة فى نجاح تحركاتهم قد تنقذ أرواح عشرات الأبرياء.
التنوع الإبداعى فى مسلسل «القاهرة - كابول» ينتقل فى رحلة بانورامية عبر التاريخ المعاصر، التقط خلالها إبداع المؤلف عبدالرحيم كمال ملامح شخصيات بعضها من الواقع ليعيد صياغتها فى مساحات التصور الدرامى.. مزيج رائع بين عوالم الواقع والإبداع.. لعل أبرز المشاهد التى ترصدها الحلقات الأولى لقاء طارق لطفى «رمزى عبدالسلام» مع الشخصية الأجنبية الجنسية.. حقيقة هذه الاتصالات كشفت عنها السينما الأمريكية فى عدة أفلام أبرزها «حرب شارلى ويلسون» الذى جمع بين التسجيل والدراما وكُشف فيه بالوقائع عن دور عضو الكونجرس «شارلى ويلسون» فى إقناع وترتيب عملية تمويل أمريكا للتنظيمات التكفيرية فى أفغانستان وتحويلها إلى منطقة لصراع النفوذ الروسى - الأمريكى.
عزز انطلاق الدراما إلى آفاق التعبير عن الوطن ارتقاء الفكرة أو الرمز لتصبح هى البطل الأساسى، تراجعت فكرة العمل الذى يخدم النجم باستثناء ظاهرة عادل إمام.. فهو تجاوز كل معايير النجومية ليصبح حالة منفردة من الصعب تكرار خصائص وظروف نجاحها.. ما أصاب محبى الدراما الكوميديا بخيبة أمل فى الفترة الأخيرة بسبب ضعف الأعمال المقدمة التى خلت من وجود مضمون وفكرة لتكتفى بمجموعة إفيهيات و«كليشيهات» قديمة، بالتالى كانت نتيجتها محاولات سطحية لاستجداء الضحك لا تمت بصلة إلى حرفية صناعة الكوميديا، والواقع يشير إلى أن المشاهد لم تعد لديه مساحة من الصبر والتسامح لتقبُّل مثل هذه الأعمال، كما تضاءلت مساحة اهتمامه بأدوار الاستعطاف أو البلطجة. الثابت الوحيد أن الذوق العام فى مصر يتغير للأفضل، ولا مكان مستقبلاً لتكرار أدوار الإسفاف الفنى بدعوى نقل الواقع.. وللحديث بقية.