لم يكن العمال خلال فترة الثلاثينات أفضل حالاً من الفلاحين، فقد عانوا ضعف الدخل وقلة العمل وانخفاض مستوى الرعاية الصحية والتعليمية.
المحظوظون منهم وجدوا فرصاً للعمل فى معسكرات المحتل الإنجليزى فى الإسماعيلية، فيما كان يطلق عليه «الكامب» أو «القرنص الإنجليزى»، وذلك بعد توقيع معاهدة 1936، لكن هؤلاء المحظوظين لم يحصّلوا أكثر من قوت يومهم خلافاً للسماسرة الذين ينهضون بمهمة توريد العمال إلى المعسكرات، فقد جنى بعضهم أرباحاً كبيرة تراكمت فى شكل ثروات.
لم يكن المشهد فى «القرنص» بعيداً عن مشهد «الوسية» الذى رسمه خليل حسن خليل وهو يصف حال الفلاحين. بعض العمال كانوا يستغلون غيرهم، والبعض اعتمد على فكرة «التهليب»، أما الأغلبية فكانت مثل الفلاحين راضية بالمقسوم وترى فيه جوهراً من جواهر العبادة.
كانت ظروف العمال المصريين خلال فترة الثلاثينات والأربعينات بالغة السوء، ما دفعهم إلى الانخراط فى إضرابات للمطالبة بتحسين أحوالهم، مرة ينجحون فى تحقيق أهدافهم، ومرات يخضعون لآلة القمع التى يحركها رأس المال لإخراس الأصوات العالية.
وبسبب تراجع شعبية الوفد بعد حادثة فبراير 1942 وجد العمال المسيّسون مكانهم بين التيارات اليسارية، فانضم بعضهم إليها، وانضم آخرون إلى جماعة الإخوان التى كانت تركز نظرها باستمرار على العمال العاملين فى معسكرات الإنجليز بالإسماعيلية، واستخدمتهم بعد ذلك وقوداً فيما خاضته من معارك ضد الاحتلال، وضد القصر والأحزاب المنافسة وباقى خصومها السياسيين أيضاً، وأفسحت جمعية «مصر الفتاة» للعمال أيضاً أماكن عديدة، وكانت مثلها مثل التنظيمات الراديكالية المتنوعة التى ظهرت على مسرح السياسة فى مصر حريصة على استقطاب هذا القطاع من المصريين إلى صفوفها.
وكما تغنّى الفن المصرى حينذاك بالفلاح فأطربه محمد عبدالوهاب «محلاها عيشة الفلاح» اهتمت السينما المصرية بمعالجة أحوال العمال فى العديد من الأفلام التى أنتجت قبل ثورة يوليو 1952.
على سبيل المثال ناقش فيلم «لو كنت غنى» مشاكل العمال فى قالب كوميدى، واشتمل على لمحة لافتة حين عالج التحول الذى وقع لسلوك العامل «محروس ياسمين» الذى كان بالأمس حلاقاً فقيراً يدافع عن حقوق العمال ضد انتهازية رأس المال «صاحب المطبعة»، لكن عندما هبطت عليه ثروة من السماء انقلب إلى كائن رأسمالى جديد وأخذ يعتب على الفقراء حقدهم على الأغنياء.
فى المقابل حاول فيلم «ابن الحداد» أن يقدم صورة أخرى للعامل المصرى المجتهد الطموح الذى ركب طبقة بأكملها «الطبقة الموسرة» وعلّمها أدب الحياة.
واللمحة اللافتة فى هذا الفيلم الإشارة إلى أن العامل الذى يجتهد ويعرق ويكدح لا بد أن يجد لنفسه قدماً بين الطبقات الأعلى.
لكن فى كل الأحوال كانت السينما تعبر عن النماذج المتفردة التى تثير الانتباه وتستوقف المشاهد، وهى نماذج لم تكن تعبر عن الواقع العام الذى عاشه عمال مصر قبل ثورة يوليو 1952.
فيلم «لو كنت غنى» واحد من أجمل كلاسيكيات السينما المصرية أنتج عام 1942 عن نص لـ«أبوالسعود الإبيارى» وأخرجه هنرى بركات. وأبدع بشارة واكيم فى تجسيد شخصية «محروس الحلاق». أما فيلم «ابن الحداد» فقد ظهر عام 1944 من تأليف وإخراج وتمثيل يوسف وهبى.