نعم.. هو فريضة، فريضة وطنية ودينية ما فى ذلك ريب، فمع اشتداد الأزمات واكتشاف العمق الحقيقى لها يشتد الصراع بين صنَاع الأمل وتجار الإحباط، فهناك من تعييه الحيل باحثاً عن بارقة أمل وهناك من يسعى مجتهداً مخلصاً لأهوائه فى إشاعة جو من الإحباط واليأس والقنوط، وتستمر أعين الناس معلقة بين أحاديث الهوى وكل وعاء ينضح ما بداخله، فالضغوط الاقتصادية والتحديات الأمنية وتربص التكفيريين والإرهابيين مروراً بمشاكل الدعم والطاقة وانقطاع التيار الكهربائى أنظر إليها على أنها تحديات لا بد أن نحولها إلى فرص، أما غيرى فينظر إليها على أنها تحديات ستقود حتماً إلى الهاوية، فهناك من يجد مشكلة فى كل حل وهناك من يجد حلاً لكل مشكلة، إنه صراع بين فريقين، كل منهما له أهدافه وله مرجعياته وله حواريوه، ونحن الآن فى مصر نمر بهذه التجربة لكن هذه المرة الوضع مختلف كثيراً، فالخلاف بين الفريقين تخطى مرحلة الرأى وانتقل إلى مربع المواجهة فهناك من يتأهب لبذل روحه لتضميد جراح الوطن وهناك من يتأهب للرقص على جثة الوطن، من هنا رأيت أن أعيد ترنيمة التفاؤل والبحث عن آيات الأمل، خاصة ونحن ننتقل بوطننا من غرفة العناية الفائقة على كرسى متحرك صوب وجهة نحاول أن يحددها المخلصون من أبناء هذا الوطن، وفى الوقت نفسه، هناك من يحاول أن يقذف بعربة الوطن فى مكان سحيق، لذلك أرفع أذان التفاؤل وأنسج رايات الأمل، لكن هل يمكن بهذه الرايات وهذه الترانيم أن نصلح قلوباً مرضت حتى كرهت هواء الوطن وسماءه؟ أنا متفائل ومتفائل جداً، رغم كل ما جرى.. وكل ما يجرى أنا متفائل.. التفاؤل تلك الكلمة التى هجرناها، ونحن فى أمس الحاجة إليها ولأنها كلمة «خارج السياق»، ودعوة للخروج على المألوف، فقد يتعامل معها البعض على أنها دعوة ساذجة وسطحية ومغرضة ولها أبعاد طبقية وربما ألوان سياسية.
التفاؤل.. تلك الكلمة الرائعة التى نطرق بها أبواب الأمل والمستقبل توارت خجلاً أمام مفردات التشاؤم التى يستخدمها تجار الإحباط، وكأن الناس لا تستطيع مقاومة إغراءات التشاؤم الذى يقودهم حتماً إلى الإحباط، كأن الوجوه تجمدت عند حالة العبوس والتكشير وما عادت صالحة للابتسام مرة أخرى، كأن عقول الناس قد توقفت على حدود محطات اليأس والقنوط. يبدو أن القضية جديرة بالاهتمام رصداً وتحليلاً، فلماذا يقاوم الناس الشعور بالتفاؤل؟ لماذا اختفت الابتسامة المصرية الشهيرة؟، أسئلة وتساؤلات عديدة تحتاج إلى حوارات مفتوحة على مستوى النخبة لكن المؤسف حقاً أن النخبة نفسها تحتاج إلى عملية إفاقة سريعة وعاجلة، لأنها فيما يبدو قد دخلت طواعية إلى نفس النفق المظلم المسمى مجازاً نفق «التشاؤم».
إن التفاؤل لا يعنى التعلق بسراب الأمل الكاذب ولا يعنى كذلك تجميل الصورة والنظر إليها على غير حقيقتها، إنما التفاؤل هو تعميق للثقة بالنفس من خلال الرؤية الإيجابية للأشياء، إننى متفائل إلى أقصى درجة ولو كره الكارهون ومبعث تفاؤلى ليس الإيمان المطلق بأن الغد سيكون أفضل.. لكن لإيمانى المطلق بقدرتنا على أن نجعله أفضل.