تتضمن الرؤية ضرورة الالتزام باحترام مبدأ المساواة التامة بين جميع المصريين والمصريات فى الحقوق والواجبات، وكذا أهمية الحفاظ على التوازن بين حقوق المواطنين وواجباتهم. ولا خلاف على أن من السمات الأساسية فى الدولة الوطنية المساواة التامة بين جميع المواطنين الذين يحملون جنسية تلك الدولة فى الحقوق، أى فى المزايا التى يتمتع بها المواطنون والمواطنات، وفى الواجبات أى فى الالتزامات التى تترتب على المواطنة. ومن ثم، يحظى جميع المواطنين والمواطنات، دون غيرهم، بالحق فى الحصول على الخدمات العامة مثل التعليم والصحة؛ ويمارسون، دون غيرهم، حقوقهم السياسية مثل الحق التصويت والترشح فى الانتخابات المحلية والعامة. وفى المقابل، يلتزم المواطنون بواجبات المواطنة مثل أداء الخدمة العسكرية أو العامة، وسداد الضرائب. ولا يجوز التمييز ضد بعض المواطنين بالحرمان من الحقوق، أو من جزء منها، أو بوجود حقوق متفاوتة بين مجموعات من المواطنين. وفى المقابل، لا يجوز تمييز أى من المواطنين بالإعفاء من الالتزام بالواجبات. وتكتمل الحلقة بتوقيع نفس الجزاء المنصوص عليه فى القوانين على أى مواطن يخالف القانون الذى يطبق على الجميع دون استثناء.
وثمة موضوع شديد الأهمية ووثيق الصلة بالمساواة فى الحقوق والواجبات، لكنه لا يحظى بنفس درجة الاهتمام، ألا وهو التوازن الدقيق بين الحقوق والواجبات. وبينما عُرفت النظم الشمولية باختلال التوازن بين الحقوق والواجبات، حيث فاقت واجبات المواطنين والتزاماتهم حقوقهم وامتيازاتهم، يظن البعض خطأ أن نهج النظم الرشيدة يتسم بتمتع المواطنين بأكبر قدر من الحقوق وبأقل قدر من الواجبات. وعلى النقيض من ذلك، ثمة توازن دقيق بين احترام حقوق المواطنين والالتزام الصارم بالواجبات، وتوقيع الجزاء على كل من يخالف القانون، ولو كان من شاغلى أعلى المناصب فى الدولة. يهتم كثير من المعلقين والكتّاب، وهم على حق، بالدفاع عن حقوق المواطن، ويندر الحديث عن الواجبات التى تقابل تلك الحقوق. ولا يمكن لمصرنا العزيزة أن تتقدم إذا استمر الانفصال المصطنع بين حقوق المواطنين وواجباتهم، وإذا تفاوتت الحقوق والواجبات بين الشرائح المختلفة من المواطنين، استناداً إلى حجج واهية وتبريرات غير موضوعية. وليس من المقبول أن يتمتع بعض المواطنين بحقوق تفوق ما يحظى به مواطنون آخرون، ولا أن يلتزم بعض المواطنين بواجبات لا يلتزم بها غيرهم من المواطنين. فمن ناحية، يجب على جميع المواطنين والمواطنات التمتع بحقوق متساوية دون أدنى درجة من التمييز. فما دام من حق المواطنين الحصول على عدد من الخدمات العامة المجانية وشبه المجانية مثل التعليم والصحة والنقل العامة، فيجب أن يحصل جميع المواطنين على تلك الخدمات بدرجة عالية من الجودة. ولا يجوز التذرع بالمجانية أو شبه المجانية لتقديم خدمات تتسم بمستوى مُتدنٍّ من الجودة.
ويثار فى هذا المجال الحديث عن التفاوت فى درجة جودة الخدمات العامة والبنية الأساسية بين العاصمة وغيرها من المدن المصرية، وبين المدن الكبرى والمدن الأصغر، وبين الحضر والريف، وبين محافظات الدلتا ومحافظات الصعيد. ومن ناحية أخرى، على جميع المواطنين الحريصين على التمتع بحقوقهم التى لا خلاف عليها أن يلتزموا التزاماً صارماً بواجباتهم، مثل احترام قواعد المرور، وسداد الضرائب المقررة، وأداء المعلمين والأطباء وموظفى الخدمة المدنية وغيرهم، المهام الموكلة إليهم فى أفضل صورة ممكنة. ومن ناحية ثالثة، لا يجب أن يتمايز العاملون فى جهات حكومية أو عامة ممن يتقاضون أجورهم من الموازنة العامة عن بعضهم البعض دون أى مبررات موضوعية. ومن أمثلة ذلك أن يتميز العاملون فى قطاعات محددة مثل ما يسمى بالهيئات الاقتصادية، وبعض المؤسسات المملوكة للدولة، وشركات قطاع الأعمال العام، وكثير منها يتكبد خسائر فادحة، والشركات التى تنتج سلعاً أو خدمات تباع للمواطنين بأسعار مبالغ فيها، بسبب تمتعها باحتكار تقديم الخدمة أو السلعة. ويرتبط بذلك أيضاً التفاوت الهائل بين العاملين فى دواوين الوزارات المركزية فى العاصمة من ناحية، وزملائهم العاملين فى فروع بعض الوزارات مثل العاملين فى مديريات الإسكان والصحة والتعليم والتضامن الاجتماعى والشباب فى المحافظات، والذين يتقاضون أجورهم من الموازنات المحلية، وينطبق نفس الأمر على جميع العاملين فى الوحدات المحلية فى عواصم المحافظات والمراكز والأقسام والوحدات المحلية القروية. وبينما يظل كثير من الشاب الكفء منتظراً عملاً يتناسب مع المهارات التى يتمتع بها، وبينما يتم تكليف خريجى وخريجات الطب والصيدلة فى مقابل الحد الأدنى للأجور، يتقاضى المحظوظون فى القطاعات السابق الإشارة إليها أضعاف ما يتقاضى نظراؤهم من الأطباء والصيادلة وأوائل الجامعات الذين يتم تكليفهم كمعيدين فى الكليات الجامعية أو كباحثين فى المراكز القومية للبحوث، ويتمتعون بمزايا عديدة تدفع الجميع للتكالب على العمل فى هذه القطاعات. ومن ثم، يُقترح إعادة النظر فى هيكل الأجور فى المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والمؤسسات والشركات التى تتكبد خسائر فادحة أو التى تتميز باحتكار تقديم بعض الخدمات والسلع الأساسية، ولديها أعداد مبالغ فيها من العاملين الذين يتمتعون بمزايا ترهق الموازنة العامة، وتتسبب فى شعور الملايين بالتفاوت فى الحقوق.