فتاة صغيرة تركت بلدها وجاءت لمصر قبل أعوام طويلة للعمل على أرض المحروسة، طول المدة منحها الوقت الكافى للتعرف على أهلها، والارتباط بهم بشكل وثيق، ألفت الحياة بينهم وأضحوا أهلاً لها، اهتمت بمشكلاتهم واعتادت على نمط حياتهم، وباتت مصرية الروح بالتدريج. قبل 40 عاماً، جاءت السيدة الألمانية أنجيلا هوفمان إلى مصر للعمل بها، بعدما تلقت عرضاً من صاحب مزرعة لتعليم الفلاحين أصول الزراعة العضوية التى تخصصت بها ودرستها فى الجامعة، حيث كان مالك المزرعة يرغب فى نقل الخبرات الأوروبية إلى مصر.
فى محافظة الشرقية عاشت «أنجيلا» طول فترة إقامتها بمصر، منذ وصلت إليها عام 1980، كانت المزرعة عبارة عن صحراء لا يكاد البصر يصل إلى مداها، ليبدأ تعاملها مع المصريين لأول مرة: «كنت أعلمهم تقنيات الزراعة العضوية، وكانوا يعلموننى اللغة العربية، حتى أصبح لدىّ القدرة على التحدث بها»، بحسب «أنجيلا».
خطط السيدة الألمانية قبل أن تأتى إلى مصر لم يكن من بينها الإقامة فى مصر طوال تلك الفترة، إنما كانت تهدف للإقامة فى مصر أعواماً قليلة لا تتجاوز الأربع سنوات، والعودة مرة أخرى إلى وطنها والعمل هناك، لكنها ظلت تؤجل فكرة العودة عاماً تلو الآخر، حتى وجدت نفسها تستكمل حياتها فى مصر وتقيم بها: «لم أنسَ بلدى ألمانيا، وأزورها بين الحين والآخر، ولكن أرغب فى العيش بمصر».
«أنجيلا»، مثلها مثل المصريين، تنتظر رمضان كل عام، تحب طقوسه وعاداته، فتسعد بالزينة والأنوار المعلقة فى الشوارع، تفرح برؤية التجمعات حول مائدة الإفطار، والتى فى كثير من الأحيان توجد فيها رفقة أصدقائها المصريين، أو تتناول السحور معهم، أو تحصل على هدايا منهم عبارة عن فانوس وخيامية.
القيود التى فرضتها أزمة فيروس «كورونا» على الطقوس الرمضانية أحزنت السيدة الألمانية كثيراً، فتشعر بالحنين لرؤية الموائد والتجمعات فى الإفطار والسحور، وتتمنى أن تنتهى تلك الأزمة سريعاً.
الشعب المصرى وطيبته وسماحته وراء قرار «أنجيلا» بالإقامة فى مصر طول تلك السنوات، ورفضها جميع العروض التى قُدمت لها فى وطنها وتتمسك بمصر: «أحببتهم وأحبونى، وأعيش معهم فى راحة وانسجام».
تعليقات الفيسبوك