«أقطاى»، الذى يشغل وظيفة مستشار الرئيس التركى وأحد المتحدثين باسم حزب «العدالة والتنمية»، السياسى والمفكر التركى الدكتور، كما يعرّف نفسه على صفحته العربية بالفيس بوك. يبدو مؤخراً وقد وقع فى فخ غير متوقع، عندما حاول أن يدخل بقدميه وبقلمه كى يقدم بعضاً من أشكال المواساة، لأصدقائه وزملائه من جماعة الإخوان المتألمين من تنفيذ الحكم القضائى النهائى، فكتب مقالاً على موقع «الفجر الجديد» الذى يُصدر نسخة بالعربية فى عنوانه إشارة إلى إعدامات جماعية تجرى فى رمضان. ياسين أقطاى فى مقاله تناول تنفيذ حكم الإعدام بحق مجموعة من الإرهابيين أقدموا مع سبق الإصرار والترصد على قتل 15 مواطناً مصرياً، بعد استنفادهم لكافة المراحل القضائية الثلاث، المنصوص عليها فى القوانين المصرية والتى استغرقت 8 سنوات كاملة منذ تاريخ ارتكاب الجريمة.
وللمستشار ياسين أوجّه حديثى، فقد وجدت أن بمقاله الأخير العديد من المزالق التى لم يتريث خشية السقوط فيها، بل ذهب مندفعاً دون رويّة ربما تحت تأثير الرسالة الافتراضية التى خاطبته باعتبار تركيا، راعية للعالم الإسلامى وولى أمر دوله وشعوبه. وهو مفهوم يشير إلى مسارين لا ثالث لهما، إما أن تكون حضرتك لجأت إلى هذه الحيلة الشهيرة التى يذهب إليها عادة كُتاب المقالات، عندما لا يجدون سوى إقامة ستار يمررون من خلفه ما يريدون قوله فيضعونه فى إطار رسائل أحد القراء المزعومين. وعن هذا أوضح لكم أن هذه الرعاية تمثل إحدى الإشكاليات العميقة، التى تجمّد عندها المفهوم التركى للعلاقة مع دول العالم الإسلامى، والجمود بقدر ما هو لصيق الصلة بالتراث والفكر التركى على مدى العصور التى تريد أن تستلهمها، أو إذا رغبت يمكنك أن تعود إليها وحيداً، بالنظر إلى أن اليوم صارت هذه الرعاية التركية محل سخرية الرأى العام العربى بأكثر مما تحمله من رفض مطلق لاستدعاء هذه الحقب الغابرة فى التاريخ، ولا تسمح المساحة ولا يليق بالمقام النبش فى هذا التاريخ رغم ثراء ما يمكن استخدامه من فصوله المروّعة والفادحة. والاحتمالية الثانية، بإيجاز مباشر، هى أن تكون الرسالة التى وصلتكم حقيقية، وهذا كان أكثر مدعاة للتريث فهى فى تلك الحالة، ورّطت شخصية بقدركم الوظيفى فى الدفاع عن مجموعة إرهابية، لمجرد أن كاتبها ينتمى إلى جماعة الإخوان التى تستخدم المفردات والمعانى التى وردت بالرسالة المنشورة، لذلك وكعادة أفراد التنظيم جاءت محشوّة بالعبارات المؤثرة دون الدخول فى حقيقة ما يتحدث عنه كاتبها، باعتبارها «جريمة إرهابية» متكاملة الأركان أجزاء عديدة منها موثقة بالصوت والصورة، والتغافل المتعمد لخضوع المتهمين فيها للقضاء العادى متمتعين بكافة حقوقهم القانونية، لذلك كان أحرى على شخصية تركية رفيعة مثلكم أن تبذل جهداً بسيطاً فى الإلمام بالأحداث الحقيقية، بدلاً من تكرار تعبير الحقوق ظناً أن هؤلاء المتهمين لم يتمتعوا بها، ورغبة منك أو من كاتب الرسالة فى تصوير الواقع المصرى باعتباره خاضعاً لوضع استثنائى، دفعك ربما للتعجل بارتكاب تزييف ساذج للوقائع فى مقال، لمجرد ورود خطاب لكاتبه!
وللسيد أقطاى أنقل إليه بعض المعلومات طالما أن انشغاله الوظيفى يبدو أنه يحرمه من الوقوف على بعض مما قد يحتاجه منها مستقبلاً، فى حال تعرض بالكتابة أو خلال تصريحاته الإعلامية التى قد يكلف بها. جماعة الإخوان صنفت بأحكام قضائية كـ«تنظيم إرهابى» فى مصر وفى العديد من الدول الأخرى بتسميات مختلفة، تدور جميعها فى فلك معانى الحظر وتجميد الأنشطة وحصار فكرها المتطرف. وهناك من التنظيمات الإرهابية التى أنشأتها الجماعة وأدارتها فى مصر، ما وجدت طريقها للتصنيف الدولى الأمريكى والبريطانى باعتبارها تنظيمات إرهابية محظورة وملاحقة على مستوى العالم، مثل «حركة حسم» و«لواء الثورة» فضلاً عن قياداتها وهم بالمناسبة أعضاء مشهورون بجماعة الإخوان، الأول «علاء السماحى» والثانى «يحيى موسى» الذى شغل منصب المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية وقت حكم الرئيس الإخوانى محمد مرسى. وكلاهما صُنف باعتباره إرهابياً هارباً من العدالة لثبوت تورطهما فى إدارة نشاط إرهابى داخل مصر، تصنيفهما جاء من القضاء المصرى وفى القائمة الدولية للملاحَقين وأيضاً فى دول الرباعى العربى، وهما من الزملاء الحركيين للشخصيات التى خرج المستشار التركى للحديث عنهم، ولا أتوقع أن تكون فى هذه المرحلة من ملاحقتهما تريد أن يرتبط اسمك بهما، نظراً للعديد من الشواهد التى ربطت بينهما وبين تركيا ليس أقلها اتخاذهما أراضيها ملاذاً آمناً لهما ولنشاطهما.
بقيت للسيد أقطاى، نصيحة أقرب للهمس فى أذن مَن قد يبدو تورط فيما لا يحمد عقباه، حيث بدا القفز من مربع الدفاع والترويج للإخوان إلى فضاء «حقوق الإنسان» الذى وصفه باعتباره ملفاً يثير حساسية العالم الإسلامى أجمع، ولم يقصر الأمر على مصر كما بدأ مقاله، بل راح ينظر ويشرح حالة هذا العالم الحقوقية والتى تثير للغرابة ألمه وفكره الإسلامى. بدت هذه القفزة بهلوانية ربما بأكثر مما أرادها كاتب المقال فالواقع حقيقة لا يشى بأن هناك حساسية من أى نوع، ليس لدى مصر وحدها بل فى مجمل دول العالم الإسلامى من تناول هذا الملف، على الأقل فى مقابل تركيا الدولة التى يحاول أن يُجلسها قسراً بين سطوره، على مقعد إعطاء الدروس لهذا العالم الذى يسوده الانتهاك من وجهة نظر الأكاديمى والمفكر، كما يسمى نفسه. وله أقول إن هذه قفزة سرمدية باعتبارها صادرة عن شخص نافذ وضالع، فى صياغة السياسة التركية داخلياً وخارجياً على الأقل فى الأعوام التى تلت الانقلاب المزعوم عام 2016، والذى دخلت بعده تركيا تحت حكم الحزب الذى يمثله فى مساحات من الانتهاك الحقوقى لم يسبقهم فيها أحد. فليس هناك مساحة تكفى لذكر الشرائح والأعداد التى تعرضت للانتهاك بالحبس والتعذيب، والإقالة القسرية المتعسفة من الوظائف، فهذا يحتاج إلى منشورات ومجلدات لن تتأتى فى مساحة رسالتى لحضرتك سيادة المستشار. فمما هو معلوم بالضرورة فى العالم أجمع، أن دولة تركيا احتلت موقع الصدارة فى أعداد القضاة والعسكريين والصحفيين وموظفى الدولة، الذين جرى العصف بهم تحت الذريعة الهلامية بانتمائهم لحركة «عبدالله جولن». وأتمنى على السيد أقطاى بدلاً من إضاعة وقته ووقتنا فى الدروس التى يتحرق شوقاً لإلقائها، مثلما هى طبيعة هذا التيار الذى يصادقه، أن يستثمر الوقت وصفحات كتاباته فى ذكر هذه الأعداد التى تشردت أو التى تقبع خلف قضبان سجونه، فبرغم أننا نعلم بدقة هذه الوقائع ويعلم غيرنا الكثير عنها، فإننا نعتبره شأناً تركياً داخلياً طالما أن هذه الانتهاكات تمارَس بحق مواطنين أتراك، لذلك سيكون ذكرها بقلمكم الرصين مدعاة للإفادة فى الأعمال البحثية التى ستتناول تلك الفترة مؤكداً.
هذا أمر مهم بالفعل وأتمنى أن يحظى باهتمام السيد أقطاى، خاصة أن التقارير الحقوقية الدولية امتدت لأبعد مما يجرى على الأراضى التركية وفى سجونها، إلى العمليات التى تورط فيها موظفو البعثات الدبلوماسية، مثلما أورد مقررو الأمم المتحدة مؤخراً فيما حرروه بناء على لجنة تحقيق وتقصٍ دولية للحقائق، رسالة مشتركة إلى الحكومة التركية. أعربوا فيها عن قلقهم البالغ إزاء الممارسات الممنهجة لعمليات الاختطاف خارج أراضى الدولة، والتى تجرى برعاية النظام التركى، حيث ثبت لديهم أنها تقوم من خلالها بتنفيذ عمليات اختطاف وعودة قسرية لمواطنين أتراك من عدة دول، كى يزج بهم فى سجون من دون محاكمات، فقط تحت تهمة الانضمام لحركة الخدمة التى كانت لسنوات حليفة للحزب التركى الحاكم.
أختم رسالتى الموجزة للسيد ياسين أقطاى، بإشارة هامة فى ضوء ما نشهده من رغبة تركية فى استعادة العلاقات الطبيعية مع مصر والدول العربية، بأن عليه وزملائه أن يغادروا طواعية مثل تلك الأفكار التى سنعتبرها عدم إلمام كافٍ بحقيقة الأمور، وبحجم ومساحات رفضها داخل العالم الإسلامى. فهذا الأخير يدرك أبناؤه كافة قبل مسئوليه أن للسياسة اعتباراتها التى جعلت العالم، يصمت ويتغافل عن المشروع الذى تورط فيه النظام التركى منذ العام 2011، وإلى شهور قليلة مضت. فدعنا سيادة المستشار نختبر ونصدق أن تركيا عاقدة العزم على العودة إلى طريق العلاقات السياسية الرشيدة بين الدول، بعيداً عن تلك المساحات التى قد تستثير ألم ضحايا مشروعكم فى أى لحظة، وهم بعشرات الآلاف وقادرون على قلب المائدة لو اشتموا رائحة الترويج لمن قتل ذويهم بالأجر، وخدمة للمشروع المتطرف، ناهيك عن استدعاء ملفات وعناوين قد تجر المشهد بكامله لحالة من العبث الأقرب للكوميديا التى لن يضحك عليها أحد، مثلما الأمر فيما ذكرته عن حقوق الإنسان، فما هو قادم أكثر جدية مما تحاول بعض الأصوات والهمهمات القادمة من ناحيتكم دفعنا إليه.