فى المقال الماضى تساءلت: هل نحن على مشارف صراع حول «الزعامة الدينية» للمسلمين السنَّة.. أم أننا على وشك إصلاح يقضى على التطرف والإرهاب.. بعد الثورة على التراث الدينى التى فجّرها سمو الأمير «محمد بن سلمان»، ولىّ عهد السعودية؟!
وسنحاول أن نصل للإجابة معاً.. فى أول رد فعل منقول عن الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، من برنامج «الإمام الطيب» دعا إلى (عدم تقديس التراث الفقهى، أو مساواته بالشريعة)، والمعروف أن البرنامج تم تسجيله قبل تصريحات «بن سلمان».. إذاً ما سر «مرونته» مؤخراً، وتغيُّر موقفه من قضايا كانت مغلقة بختم التحريم، مثل النقاب الذى أعلن أنه يدخل فى «باب الزينة كالخاتم».. أو الحجاب الذى قال إن تركه معصية أقل إثماً من الكذب؟!
أعتقد أن رئاسته لـ«مجلس حكماء المسلمين»، وهو «هيئة دولية مستقلة، تهدف إلى تعزيز السلم، وترسيخ قيم الحوار والتسامح»، تأسست فى دولة الإمارات، التى تتبرع للأزهر أيضاً بما يمكّنه من نشر رسالته إعلامياً (كإنتاج برنامج الإمام الطيب).. هذا الدور ولا أقول «التمويل» جعل الإمام الأكبر أكثر انفتاحاً على العالم.. سيخرج من يقول لى: لكنه تعنّت فى قضية «الطلاق الشفهى» ويرفض تجديد الخطاب الدينى «داخل مصر».. وهذا صحيح لأن التعامل بقوة «التحصين ضد العزل» غير التعامل بـ«الاختيار» نحن لم ننتخب شيخ الأزهر بل جاء بأصوات «هيئة كبار العلماء» التى يختارها هو بنفسه!
إذاً.. ألم يتغير موقف الدكتور «الطيب» بعدما أعلن «بن سلمان» ثورة الإصلاح الدينى؟ كل ما صدر عن «الطيب» هو دعوته لكبار العلماء للاجتهاد الجماعى فى 25 قضية جديدة ومعاصرة.. منها القضايا المتعلِّقة بالإرهاب والتكفير والهجرة، وتحديد مفهوم دار الإسلام، والالتحاق بجماعات العنف المسلح، وبعض الأمور السياسية كالديمقراطية وحقوق الإنسان، والحرية وحدودها، والمساواة الدستورية والقانونية ومشروعية الدستور والبرلمان. والحقيقة أن عناوين القضايا الأخيرة كلها افتئات على «سلطة الحكم» وتدخُّل فى صلاحيات النظام الحاكم وتجاهل للدستور لتمتد سطوة الدولة الدينية المزعومة.. فهل يجوز لشيخ الأزهر أن يقول كلاماً ويطبق غيره؟.. دعنا ننظر إلى الواقع: حتى الآن لم يصدر عن «الطيب» حرف يؤيد دعوة «بن سلمان» للالتزام بتطبيق نصوص الأحاديث المتواترة، والنظر إلى «أحاديث الآحاد» كل حسب صحته وظروفه ووضعه، لأن شيخ الأزهر مقتنع بأن الأحاديث النبوية، بما فيها ظنية الثبوت ظنية الدلالة، هى مكملة للقرآن (ثلاثة أرباع الدين)!
فأحاديث الآحاد التى تغيّب العقل الجماعى بحواديت (سحر الرسول ومحاولته الانتحار، قتل المرتد، تكفير الآخر.. إلخ تلك الخزعبلات).. هى «البيزنس» الذى يحكمون به الناس بفرض الحجاب أو تحريم فوائد البنك.. بالسيطرة على مقدّراتهم ونزع إرادتهم والتدخل فى حريتهم وحياتهم الشخصية.. إنها دولة دينية مستترة!
سمو الأمير «محمد» قال: «لو ألزمنا أنفسنا بمدرسة أو عالم معين فهذا يعنى أننا قمنا بتأليه البشر»، فهل يُسقط هذا القداسة عن (البخارى، مسلم، ابن تيمية، سيد قطب، الشعراوى.. «الطيب» نفسه؟).. لقد قدم «الطيب» نفسه أمام البرلمان الأوروبى قائلاً: (أُقدِّم نفسى لحضراتكم بحسبانى رجلاً مسلماً تخصَّص فى دراسة الإسلام، وفهمه كما أراده الله للنَّاس، وكما بلَّغه لهم رسوله «ص»).. لقد ساوى علمه أو نفسه بإرادة الله وتبليغ الرسول «ص» للرسالة.. فهل عرفت أين نحن؟
المقال القادم: الأزهر طريقك إلى الجنة.