صوّرت الجماعة زينب الغزالى فى وثائقى بإحدى قنواتها بعنوان «أم الصابرين» على أنها قدِّيسة تقف ممسكة بسيف من خشب وتقول: «سأقتل كل أعداء رسول الله».
يروى الوثائقى عنها من كتاب «أيام من حياتى»، وهنا لا بد أن نشير إلى ما ذكره الإخوانى ورئيس حزب الوسط المصرى أبوالعلا ماضى من أنه تحدّث مع مسئول العلاقات الخارجية فى الجماعة يوسف ندا، وقال له: «بالنسبة لروايات تعذيب الإخوان تستطيع أن تقول إنها كانت صادقة وبأى نسبة؟ ويا ريت تخصص الحديث عن روايات التعذيب الواردة فى كتاب (أيام من حياتى) الصادر باسم السيدة زينب الغزالى (القيادية الإخوانية الشهيرة)»، وهنا بالتحديد كانت القنبلة، إذ انفجر يوسف ندا ضاحكاً، وقال: «أنا مؤلف هذا الكتاب»!
لقد ألّف «ندا» كل هذه التلفيقات عن سجون عبدالناصر وهو هارب فى أوروبا، وحين سأله «أبوالعلا»: كيف تروى وأنت بعيد تفاصيل أحداث عام 1965 التى تحدّث عنها كتاب زينب الغزالى؟ أليس هذا محرّماً دينياً؟! صدمنا ثانية عندما رد قائلاً: «اللى تغلب به العب به.. الحرب خدعة»!.
هنا لا بد أن أشير إلى تمرين وتدريب تحدثنا عنه من قبل كانت تجريه الجماعة دائماً لأفرادها، فى محاضنها التربوية، هدفه الذى لا تخطئه عين هو التدريب على الصرامة وعلى نقل المعلومات بحرفية بسبب تفشى ظاهرة نقل الأخبار المغلوطة، وتعوُّد العناصر على المداراة والكذب، وهو أن يقف ما لا يقل عن 15 عضواً فى طابور واحد يفصل بين كل فرد منهم مساحة متر، ويبدأ القائد فى ذكر معلومة للفرد الأول من الصف ويطلب منه نقلها لمن بعده، وهكذا حتى الآخر، لتفاجأ أنها أصبحت خبراً مغايراً على النقيض تماماً، وتتحول إلى مسلّمة ثابتة.
التمرين السابق كان يشير إلى تفشى الكذب تحت حجج واهية، ومنها «التورية»، «المداراة»، «تضليل العدو»، إلخ من هذه التعبيرات الجاهزة والمعلَّبة لتمرير عمليات التضليل التى تتم بشكل يومى من قبَل الإخوان، وهى أكبر جماعة أدمنت صناعة الكذب، بل وأصبحت لها آلات ضخمة لخلقه وتمريره وإشاعته فى المجتمع.
الكذب لدى جماعة الإخوان حرفة يتقنونها بحجة أنه فى سبيل الله، والمقصود وفق كتاباتهم أنه يجوز فعل ما لا يجوز من أجل تحقيق الغاية والهدف، وبدليل من البخارى ومسلم، وهو حديث «إذا ذهبت إلى الساحر فقل حبسنى أهلى، وإذا ذهبت لأهلك فقل حبسنى الساحر».
هنا يفسرون الساحر بأنه الإعلام المعادى لهم، على اعتبار أنهم أهل الصدق وحدهم، وهم من يحتكرون الحقيقة.
إن كل الناس على ضلال، وكل المجتمع غارق فى الشهوات والرذيلة والجاهلية، وهم فى حالة حرب، لذا فليس لدى أى عضو إخوانى غضاضة فى أن يكذب، أو يختلق أو يدّعى، ما دام ذلك فى مصلحة الجماعة، (الجماعة فى مفهوم الإخوانى هى الدين)، التى هى وفق المستشار الإخوانى الراحل على جريشة (جماعة المسلمين).
ويتوسع مفهوم مصلحة الجماعة ليشمل وجوب الكذب على الحكومة والمجتمع والأسرة وعلى عضو التنظيم ذاته، فترى أن التنظيم ذاته يكذب على العناصر المنضمة له، وبعد فترات طويلة من الزمن يكتشف العضو أنه غير منظم، وأن الجماعة تضعه فى محرقة فقط لإشغال الدولة عن القيادات الحقيقية.
ويُخفى القيادى الإخوانى عن زوجته وأبنائه ما يجرى فى الجماعة، بل وفى أحيان كثيرة، حينما يتوفى يجد الورثة والأبناء من يطرق بابهم من قيادات التنظيم ويطالبهم بما آل إليهم من ميراث بدعوى أن استثمارات والدهم لم تكن مملوكة له، وأن المال مال الجماعة ولا حق لأبيهم فيه سوى نصيب من شراكة مقابل إدارته لهذه الأموال، وهذا ما جرى مع كثير من أعضاء التنظيم.
عقب «25 يناير» كان الكذب الإخوانى على أشده، ولن نضرب مثلاً بإعلان الجماعة عدم ترشحها للرئاسة، أو كيف كان أعضاؤها يصورون أنفسهم داخل أكفان ملفوفة ليروجوها إعلامياً على أنها لقتلى رابعة، فكل هذه الأمور معروفة، لكن المثل الواضح، هو كيف كذبوا على أعضائهم الذين اكتشفوا فيما بعد أنها دفعت بهم لخوض المعركة فى المقاعد الفردية، لكنها كانت قد قررت، وبشكل سرى، التنسيق مع عناصر من الجماعة الإسلامية والسلفيين للفوز بهذه المقاعد!
«الإخوان» يتعاملون هكذا، فالأعلى فى التنظيم يخدع الإخوانى الأدنى منه فى درجات العضوية، ويبيح الإخوانى لنفسه أن يكذب على أمه وأبيه وزوجته، بحجة الحفاظ على مصالح الجماعة.
و«مصلحة الجماعة» هى صنم يعبدونه من دون الله، فهم تحت هذا البند يجيزون فعل كل شىء مهما بلغت حرمته، على مجموعة من الأسس أهمها «الحرب خدعة»، «جواز الكذب على الكافرين»، «جواز أكل الميتة ساعة الضرورة».
الإخوانى يكذب على العضو الأدنى منه تنظيمياً، ويكذب فى تحقيقات النيابة، وينفصل عن المجتمع شعورياً ويكذب عليه، حتى يكتمل نضجهم وتتم تربيتهم وتتم توسعة رقعتهم وزيادة أعدادهم على قدر الإمكان، وفق القيادى «على عشماوى» فى مذكراته.
والخلاصة أن الجماعة الأصل فيها الكذب حتى يظهر عكس ذلك، وأعتقد أنه لن يظهر.