لا تجد القوات الإسرائيلية -كقوة احتلال غشوم- غضاضة فى أن تجعل من ساحة المسجد الأقصى مسرحاً لمطاردة المقدسيين الذين يرفضون تدنيس المستوطنين لأرضه الشريفة.. منذ متى كان الاحتلال يخجل من أفعاله؟
العرب والمسلمون لا يرون غضاضة هم الآخرون فى العبور وعدم التركيز فى اقتحام باحات المسجد الأقصى وإلقاء القنابل الصوتية بداخله ومشاهد القبض والاعتداء على الشباب المقدسيين الذين يذودون عن المسجد المبارك.. ألا يعرف العرب والمسلمون الخجل؟
لست بحاجة إلى تذكيرك بمقام المسجد الأقصى فى الوجدان الإسلامى، فهو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى النبى الأمين صلى الله عليه وسلم.
أظن أن الإنسان لدينا لم يعد له قيمة، لكننا ما زلنا نقيم وزناً للمكان. فالحوائط والجدران والمبانى لا يزال لها قيمة فى نظر البعض، فهل من المنطق أن يترك العرب مكاناً يعبر عن جزء من ذاكرتهم ومقدس من مقدسات عقيدتهم نهباً وفريسة لمخططات المستوطنين الإسرائيليين بهذه الصورة؟
زمان كنا ننظر إلى حدث دخول الفرنسيين الأزهر بخيولهم خلال الحملة الفرنسية كحدث جلل مزلزل أدى إلى ثورة المصريين على الاحتلال الفرنسى، بل وتسبب بعد ذلك فى مقتل صارى عسكر الحملة «كليبر» على يد سليمان الحلبى، وهو أحد المجاورين بالأزهر الذى راعه مشهد اقتحام أرضه الطاهرة.
إذا كان ذلك كذلك بالنسبة للأزهر.. فما بالك بالمسجد الأقصى بما له من قيمة ومقام.
أما الإنسان المقدسى الفلسطينى الذى يقف فى وجه الاحتلال الغشوم فله الله تعالى، ثم إرادته الحديدية التى لا تهتز، وإيمانه الذى لا يتزلزل بقضيته. وهو قادر على النهوض بعبء المقاومة وحده بعد أن تخلى عنه العرب والمسلمون.
إن حالة اللامبالاة التى يتعامل بها العرب والمسلمون مع ما يشهده «الأقصى» من أحداث خلال الأيام الأخيرة يشهد على حالة التحول المرعب الذى حدث فى جدول أولوياتنا.
أول مظاهر هذا التحول أن بعض الحكام وكذا الشعوب العربية لم يعودوا يرون فى إسرائيل عدواً، بل يرون فيها وفى قادتها صديقاً ذا خطر، يمكن أن يفيد الحكام -على وجه التحديد- فى الجلوس على كراسى الحكم أو الاستمرار عليها. ولعلك تتابع عملية الهرولة التى تحرك بها المسئولون داخل بعض الدول العربية مؤخراً للتطبيع مع إسرائيل.
إيران اليوم أصبحت هى العدو.. وبعض العرب على استعداد اليوم للتحالف مع الإسرائيلى والأمريكى من أجل كبح جماحها عن مد نفوذها داخل العالم العربى. والمضحك أن من يرددون ذلك ينسون أن إسرائيل أشد طمعاً فى كل ما لديهم من الإيرانيين، لكنه الهوى الذى يلقى بهم فى أحضان تل أبيب.
المظهر الثانى للتحول يتعلق بحالة عجيبة من اللااكتراث بدأت تسيطر على الشعوب المسلمة عموماً والعربية خصوصاً.
فأمام أى انتهاك لمقدسات إسلامية أو بشر مسلمين من غيرهم، تجد أغلب المسلمين والعرب يقابلون مثل هذه الأحداث دون اهتمام، مدفوعين فى ذلك إما ببلادة المشاعر، أو الخوف من التعبير عن الحماس لما هو إسلامى، حتى لا يحسب ذلك عليهم فى مجتمعاتهم. للأسف الشديد حماس العرب والمسلمين للطم بعضهم خدود بعض شديد، وأمام الغير يصبح خدهم «مداس ينداس».