تعد قضية كتابة الدستور أهم القضايا الآن حيث يحدد الدستور مستقبل مصر، وقد طرحت اللجنة التأسيسية مسودة باب الحقوق والحريات للنقاش العام، وفى الحقيقة تميز هذا الباب بغياب الرؤية والتناقض وأسقط المواثيق الدولية التى تلزم مصر باحترام تعهداتها، حيث خلا من النص على مادة تتعلق بالمعاهدات والمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر لا سيما المتعلقة بالحقوق والحريات وهو أمر غريب فى لجنة ترى أنها تستمد شرعيتها من ثورة كانت ضد القهر وتسعى إلى الحرية، وحتى لم تكلف اللجنة نفسها بنقل نص المادة 151 من دستور 1971 التى كانت تنص على: «رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة»، وتعكس المناقشات داخل اللجنة اتجاهاً لعدم الإشارة إلى الاتفاقات والمواثيق الدولية بادعاء الحفاظ على الخصوصية وإن كان الأمر كذلك، فهو يعكس مشكلة حقيقية فى فهم العلاقة بين الدساتير الوطنية والاتفاقيات الدولية، ففى كل دساتير العالم لا بد أن يتم ذكر مكانة الاتفاقيات الدولية وعلاقتها بالبناء التشريعى المحلى، فبعض الدول تضعها فى مكانة الدستور والبعض يضعها فى مكانة القانون وإن تعارضت مع القانون تكون فى منزلة الاتفاقية الأعلى، أما إذا لم يتم ذكرها على الإطلاق، فهو يعنى إما عدم اعتراف الدولة بكل الاتفاقيات الدولية ومن ثم تخرج من عداد الدول التى تلتزم بتعهداتها الدولية ولا يمكن التعامل معها باعتبارها دولة فى الأساس، أو ترى الاتفاقيات فى منزلة أعلى من الدستور نفسه ومن ثم لا داعى لذكرها وعلى المحاكم الوطنية الالتزام بالاتفاقيات كمرجعية أعلى من الدستور.
وما طرح من مناقشات حول هذه المادة عكس سيطرة تخوف بعض الإسلاميين من اتفاقيات حقوق الإنسان وخاصة المتعلقة بالمرأة، فبالإضافة إلى أن الأمر غريب؛ لأن الاتفاقيات الدولية التى يرد ذكرها فى الدستور تمثل كافة الاتفاقيات سواء المتعلقة بحقوق الإنسان أو التجارة الخارجية أو التسليح أو المعاهدات بين الدول وكلها ينطبق عليها مصطلح «الاتفاقيات الدولية»، وليست فقط اتفاقيات حقوق الإنسان، بل إن الأمر الأكثر غرابة أن تكون الرؤية من الضيق لدرجة لا ترى إلا الاتفاقيات الحقوقية والخوف المرضى من اتفاقيات المرأة وفى مقدمتها اتفاقية إلغاء التمييز ضد المرأة «السيداو» والتى وقعت عليها كل دول العالم بما فيها المملكة العربية السعودية، بل إننا أصبحنا أمام ما يمكن تسميته «السيداوفوبيا» التى تدفع بعض أعضاء التأسيسية لإلغاء مكانة مصر كدولة فى المجتمع الدولى، والزج بها خارج النظام الدولى.
أما ما يتعلق بالحقوق الأساسية التى طالب بها الناس مثل حرية التنظيم والعمل الأهلى والحقوق الاجتماعية، فقد وردت مقيدة ومترددة ومتبعة لمنهج دستور 1971 فى الإحالة للقانون الذى أكدت التجربة عبر أربعين عاماً أن النظام الحاكم بصرف النظر عن كونه سواء نظام السادات أو مبارك دأب من خلال القوانين على تقييد الحقوق والانقضاض عليها بدلاً من تنظيمها.