العيد اختراع بشرى محض.. يعكس حاجة الإنسان إلى البهجة والأنس والاسترخاء وكسر رتابة وتعب الأيام الطوال.
الجانب البشرى كان حاضراً بقوة عند ظهور الأعياد فى الإسلام.
لا يوجد فى القرآن الكريم أية إشارة مباشرة أو غير مباشرة إلى عيدى الفطر والأضحى.. القرآن الكريم يحدثنا عن رمضان دون عيد الفطر (ثلاثة أيام)، ويحدثنا عن الحج دون أن يشير إلى عيد الأضحى (4 أيام).
الصيام -كما تعلم- شرع فى العام الثانى الهجرى، أما الحج فشُرع فى السنة التاسعة للهجرة، أى قبل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم (سنة 11 هجرية) بعامين.
الحديث عن الأعياد جاء فى السنة وذلك فى الحديث النبوى الذى يقول: «عن أنس رضى الله عنه قال: قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما فى الجاهلية، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر».
الحديث واضح فى أن المسلمين لم يعرفوا عيد الفطر أو الأضحى فى مكة (عاش فيها النبى 13 عاماً بعد البعثة)، لأن عبادتى الصوم والحج لم تفرضا فى مكة، بل فى المدينة (عاش فيها النبى 10 أعوام).
كما أن الربط بين تواريخ فرض العبادتين (الصيام فى السنة الثانية والحج فى السنة التاسعة) يعنى أن المسلمين عرفوا عيدى الفطر والأضحى قبل عامين فقط من وفاة النبى.
واللافت أن النبى استند فى إقرارهما إلى حاجة بشرية وإنسانية إلى الفرح والبهجة، فهو أولاً لم يبادر إلى تشريعهما، بل أشار إلى العيدين حينما حدثه أهل المدينة فى يومين كانوا يلعبون ويمرحون فيهما، فما كان من النبى، صلى الله عليه وسلم، إلا أن أخبر محدثيه بأن الله أبدلهم خيراً منهما، هما الأضحى والفطر.
وأغلب الظن أن اليومين اللذين قصدهما أهل المدينة، هما يوم النيروز ويوم المهرجان، وهما عيدان أصولهما فارسية.
ومن اللافت أن النبى تحدث عن أن كل عيد يوم واحد (الفطر يوم والأضحى يوم) فى حين يحتفل المسلمون بالفطر لمدة 3 أيام، وبالأضحى لمدة 4 أيام.
واليومان المضافان إلى الفطر والثلاثة إلى الأضحى ليس لها أصل معلوم، بل تمثل اختراعاً اخترعه المسلمون وتوارثوه جيلاً بعد جيل.
فعيد الفطر يوم واحد، وكذلك عيد الأضحى، وهو ما يتسق مع آيات القرآن الكريم التى تحدثت عن الأعياد (عدا الأضحى والفطر)، فكل ما ورد فى كتاب الله من إشارات إلى الأعياد يؤكد أنها يوم واحد.
فى سورة «طه» وردت الآية التى تقول: «قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى» ويوم «الزينة» كان عيداً من أعياد الفراعنة يتفرغون فيه من أعمالهم ويجتمعون معاً للاحتفال به. وكان يوماً واحداً كما تشير الآية الكريمة.
وفى سورة المائدة يقول الله تعالى: «قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ»، والعيد كما هو واضح فى الآية الكريمة يوم واحد، يوم نزول المائدة.
الشاهد فيما نحكيه أن الجانب البشرى حاضر بقوة فى اختراع الأعياد الدينية التى نحتفل بها، وبالتالى فليس من حق أحد أن يصادر على حق غيره فى اختراع أيام بهجة وسعادة يختار الاحتفال بها كأعياد، مثل الأعياد الوطنية والأعياد التاريخية وأعياد الميلاد وغير ذلك.